الفرعية فيجوز للمقلّد التقليد فيها من حيث كونها فرعية لا من حيث كونها اصولية ، مدفوعة بمنع الاستلزام بل لازم التخيير في المسألة الاصولية عدم التخيير في المسألة الفرعية ، إذ مع اختيار أحدهما في الأول يتعيّن العمل عليه دون الآخر ، وما ذكرت نظير أن يقال إنّ المكلّف مطلقا مخيّر بين أن يقصّر في صلاته أو يتم ، لأنه مخيّر بين اختياره السفر واختياره الاقامة وعدم السفر ، وفساده واضح.
والجواب : أنّ التخيير في المقام ليس من المسألة الاصولية صرفا ، بل له جهتان ، من حيث كونه تعيينا للحجة مسألة اصولية ومن حيث كونه عبارة عن العمل بمضمون إحدى الروايتين مسألة فرعية ، ومقايسته بالتخيير بين القصر والاتمام من جهة التخيير بين اختيار السفر والاقامة باطلة ، لأنّ الحاضر والمسافر اللذين هما موضوعان لحكم الاتمام والقصر لا يتحققان إلّا بالقصد والنية ، بخلاف ما نحن فيه فإنّ العمل بأحد الخبرين لا يتوقف أوّلا على نية العمل به ثم العمل بل نفس العمل معروض لعنوان الأخذ أيضا ، فمن حيث كونه أخذا مسألة اصولية ومن حيث كونه عملا مسألة فرعية (١).
__________________
(١) أقول : الأظهر في المبنى المذكور هو الوجه الثاني ، فإنّ الأخذ بالرواية والبناء على أنّ الحجة هو هذا دون ذاك ممّا لا بدّ منه ، والافتاء والعمل مترتّب عليه ، كيف ولو لم يكن كذلك لزم أن لا يكون المفتي آخذا بالخبر لو لم يعمل به ولا من يقلّده لعدم ابتلائهم بخصوص المسألة أو عصيانا ، وهو كما ترى إذ من الواضح أنه إن بنى على أنّ الطريق إلى حكم الله تعالى هو هذا الخبر من باب الترجيح أو التخيير وأفتى به يصدق أنه أخذ بالخبر وإن لم يعمل به أحد أبدا ، بل لو لم يفت به أيضا يصدق أنه أخذ بالخبر من حيث إنه بنى عليه وجعل ذلك رأيا ومذهبا له ، وبالجملة أخذ الرواية والبناء عليه أمر وراء العمل به