التخيير ابتدائيا ، بل إنما منع تمامية أدلة الاستمرارية ، وجميع ما استدل به لهذا القول وجوه سبعة :
الأول : ما مر في كلام العلّامة من دلالة النبوي العامي على ذلك ، وقد عرفت ما فيه.
الثاني : استصحاب بقاء الحكم المختار. وفيه : أنّ استصحاب التخيير حاكم عليه ، لأنّ الشك فيه مسبّب عن الشك في بقاء حكم التخيير الأوّلي ، ولا يخفى أنّ كلا الاستصحابين من قبيل الشك في المقتضي.
الثالث : أنّ بدوية التخيير توافق الاحتياط ، لأنّ الالتزام بالخبر الذي أخذه أوّلا أخذ بالقدر المتيقن بين القولين ، لأنّ من يقول بالاستمرارية أيضا لا يمنع الأخذ بما أخذه أوّلا ، وإن شئت فقل ما نحن فيه من دوران الأمر بين التخيير والتعيين والحق فيه التعيين.
الرابع : أنه لو كان التخيير استمراريا لزم أن يكون الواجب جائز الترك لا إلى بدل فيما إذا كان أحد الخبرين دالا على الوجوب والآخر على عدمه ، فإنه إن اختار الخبر الثاني لزم ذلك ، وهذا بخلاف ما لو قلنا بالبدوية فإنه إن أخذ بخبر الوجوب لا يعدل عنه وإن أخذ بخبر عدم الوجوب فليس الوجوب حكمه فلا يلزم ترك الواجب. وفيه : أنّ حكم الوجوب بناء على الاستمرارية حكمه ما دام آخذا به ، وبعد ما أخذ الخبر الآخر انقلب حكمه إلى مفاد الخبر الآخر فهو نظير تبدّل رأي المجتهد عن الوجوب إلى عدم الوجوب.
الخامس : أنه لو كان التخيير استمراريا لما حصل الفرق بينه وبين التخيير العملي المقتضي لاباحة الفعل فيما إذا كان أحد الخبرين دالا على الوجوب والآخر على الحرمة. وفيه أوّلا : أنّ مجرد عدم الفرق لا يوجب فساد الوجه غاية الأمر اشتراك الوجهين في النتيجة لكن أحدهما مقتضى الأدلة والآخر مخالف لها.