وقد قسّم الاصوليون الملازمة ـ كما نلاحظ في الكفاية (١) وغيرها ـ الى ثلاثة أقسام ، ثم بحثوا عن تحقّق ايّ واحد منها بين الاجماع والدليل الشرعي ، وهي الملازمة العقلية والعادية والاتفاقيّة ، ومثّلوا للاولى بالملازمة بين تواتر الخبر وصدقه ، وللثانية بالملازمة بين اتفاق آراء المرءوسين على شيء ورأي رئيسهم ، وللثالثة بالملازمة بين الخبر المستفيض وصدقه.
والتحقيق ان الملازمة دائما عقلية (٢) ، والتقسيم الثلاثي لها مردّه في
__________________
(١) راجع مثلا منتهى الدراية ج ٤ ص ٣٤٧.
(٢) شرحها السيد المصنف رحمهالله في تقريرات السيد الهاشمي ج ٤ ص ٣٠٩ بقوله : «والصحيح ان الملازمة على نحو واحد دائما وهي بملاك استحالة الانفكاك عقلا ، فان الاستحالة والامكان لا يدركان الا بالعقل دائما ، ولكنه تارة يحكم العقل بذلك مطلقا ، وأخرى يحكم به ضمن ظروف موجودة عادة وغالبا ، وثالثة ضمن ظروف اتفاقية.» انتهى كلامه (قدسسره).
(وبالجمع) بين كلا الكلامين نفهم ان مراده رحمهالله أن يقول :
إنّ الملازمة امر عقلي اي علّي دائما لانها عبارة عن الربط العلّي بين المتلازمين ، فان النار (الملزوم) اذا كانت في كل الظروف والاحوال نارا لها كل خصائص النار من الحرارة وغيرها كانت الملازمة بين النار والحرارة علّيّة وسمّيت الملازمة عقلية ، وإن كان الملزوم ـ كالشيخوخة بالنسبة الى الشيب ـ تحفّه عادة ظروف معيّنة سمّيت هذه الملازمة بالملازمة العادية نظرا إلى ان الظروف تتواجد بحسب العادة ، وان كانت اذا تواجدت هذه الظروف (أي تمّت العلّة) فسيحصل المعلول لا محالة وتكون الملازمة ح في الحقيقة ملازمة عقلية ايضا لكونها عبارة عن الربط العلّي بين العلّة ومعلولها أو بين المعلولين لعلّة واحدة كضعف البدن ـ عند الشيخ ـ والشيب ، وكذلك الامر