__________________
(وقد) يستشكل علينا اصحاب المسلك الاوّل من التصويب بلغويّة جعل احكام لمن يجهلها.
(فنقول) إنّ الاحكام الشرعية بل حتّى القوانين الوضعية انّما تجعل بنحو القضايا الحقيقيّة ، فمن علم بها فقد تحقق لديه شرط من شروط التنجيز ، وامّا المحتمل لوجود احكام شرعية فانه يجب عليه البحث ، اضافة الى وجوب القضاء عليه في كثير من الحالات ...
(وامّا) وجه دخول العلم بالجعل في موضوع نفس الجعل او دخول العلم بالحكم الفعلي في موضوع نفسه فلم أر له أثرا في كلام ابناء العامّة ، مع بطلانه في ذاته للدور الواضح فيه.
(وامّا) وجه دخول العلم بالجعل في موضوع الحكم الفعلي ـ على ما قد يظهر من كلام الغزالي وقد يكون هذا الوجه ايضا مراد الاشعري ـ فهو ممكن ثبوتا ، الّا انّه اثباتا لم نر له وجودا في شرعنا الحنيف الّا في موارد نادرة من قبيل تقيّد وجوب صلاة القصر بسماع آية التقصير ، وتقيّد شرطية الجهر او الاخفات في الصلاة بالعلم بها.
(وعلى ايّ حال) فهل الاصل ان يكون العلم قيدا وشرطا في فعلية الحكم ، كما في شرطية البلوغ والعقل والزوال ، او ان يكون شرطا في تنجزه ، كما في أكثر الاحكام الشرعية كوجوب الصلاة وحرمة الخمر ، فحرمة الخمر فعلية ، بمعنى ان ملاك تحريمها تام حتّى بالنسبة الى الجاهل بالحكم (الذي هو محلّ كلامنا) او الموضوع؟
المناسب لطبيعة العلم الذي هو مرآة وكاشف وطريق الى متعلّقه ان يكون شرطا في التنجز ، وان يكون ناظرا الى الاحكام من الخارج ، فالصلاة مثلا بالنسبة الى من تمّت شرائط فعليتها عنده من زوال وعقل وبلوغ المتوقّع ان يكون ملاكها تامّا حتى بالنسبة الى الجاهل بوجوبها ، وكذلك في الخمس والزكاة مثلا ، فالمتوقّع ان يكون الخمس واجبا فعلا حتّى على الجاهل بوجوبه ، وذلك لتماميّة ملاك الوجوب الفعلي ، وان الجهل بهذا الوجوب ينبغي ان يرفع تنجّزه لا اكثر. ويستدلّ علماؤنا عادة على هذا الامر ـ وانّ العلم شرط في التنجيز فقط ـ باطلاقات ادلة الاحكام ، فاذا سال رجل الامام عليهالسلام عن رجل شك بين الركعة والركعتين في الصلاة الثنائية وبنى على الواحدة مثلا ، وقال له الامام مثلا «اعاد صلاته» فانّ قوله «أعاد صلاته» مطلق من ناحية العلم السابق بالحكم او الجهل به ، ولهذا قالوا نستدلّ باطلاقات ادلّة الاحكام على شمول الاحكام الفعلية ـ فضلا عن الجعل ـ للعالم.