__________________
فيه ؛ فإنّ كلّ هذه التصديقات مستلزمة للتوجّه إليه ، وإلاّ فما الذي نثبته أو ننفيه أو نشكّ فيه؟ نعم ، هذا التوجّه لا يمكن أن يكون من طرق الحواسّ المحدّدة ؛ لأنّها لا تؤدّي إلاّ إلى محسوسات محدودة مشخّصة ، فهي بمنزلة مرآة محدودة لا تُري إلاّ مرائي محدودة كما ذكرناه.
وتلخّص من جميع ما تقدّم من عدم مجيء قاعدة الصفات في حقّ الواجب جلّ وعلا ، وكذلك من عدم إمكان وقوعه معقولاً بماهيّته وإمكان التوجّه إليه لا من طرق الحواسّ المحدّدة ، أنّه : « لابدّ من إثبات صانع للأشياء خارج من الجهتين المذمومتين : إحداهما النفي ؛ إذ كان النفي هو الإبطال والعدم ، والجهة الثانية التشبيه ؛ إذ كان التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف » فليعلم أنَّ ما ذكره الإمام عليهالسلام هو إرشاد إلى آخر مراتب التوجّه في هذا المقام ، فإنّا لم نعثر من الفلاسفة والحكماء في هذ الباب إلى شيء يقنع به العقول الفعّالة ؛ فإنّ كلّ ما ذكروه في هذا المقام يستلزم أسئلة لا يجاب عنها جواباً كافياً ، فلابدّ لنا حينئذٍ أن نسترشد بقوله عليهالسلام : « فلم يكن بدّ من إثبات الصانع ؛ لوجود المصنوعين ، والاضطرارُ منهم إليه أثبت أنّهم مصنوعون وأنّ صانعهم غيرهم وليس مثلهم ؛ إذ كان مثلهم شبيهاً بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا » ، فهذا هو من المرتكزات الأوّليّة في الأذهان من أنّ ما بالغير لا بدّ وأن ينتهي إلى ما بالذات ، وأنّ ما يكون نسبة الوجود والعدم إليه على حدّ سواء ، يحتاج في ترجّحه إلى مرجّح.
ثمّ قال السائل : « فقد حدّدته إذ أثبتَّ وجوده » ؛ الظاهر أنّ السائل لم يكن يحفظ ما يقوله الإمام عليهالسلام جواباً لسؤالاته ؛ لأنّه عليهالسلام قد صرّح واستدلّ على استحالة تحديده ، ومن المعلوم أن الحدود والتشخّصات إنّما تكون من قبل الماهيّات ، لا أنّ الوجود بمجرّده يستلزمها ؛ ولذلك أجابه عليهالسلام : « لم أحدّه ولكنّي أثبتّه ؛ إذ لم يكن بين النفي والإثبات منزلة » ؛ يعني عليهالسلام حيث لم يمكن لنا النفي ولا التشبيه بسائر المخلوقات فيجب لنا الإذعان بوجوده وثبوته فقطّ.
قال له السائل : « فله إنّيّة ومائيّة؟ ». قال : « نعم لا يثبت الشيء إلاّ بإنّيّة ومائيّة ».
أقول : ليس المقصود بالإنّيّة والمائيّة في المقام ما اصطلحنا عليه في علم المعقول ، المطلق على جميع الممكنات في قولنا : كلُّ ممكن زوجٌ تركيبيٌّ ، بل اللازمُ بقرينة المعاني المذكورة المثبتة لبساطته وعدم معلوليّته جلّ وعلا أَنْ يراد بهما الحقيقة والوجود ، ولكن لا بمعنى الماهيّة المنتزعة عن الجنس والفصل المستلزمين للتركّب ونسبتهما ، أينسبة الإنّيّة والمائيّة في المقام إليه تعالى نظير نسبة الصفات الذاتيّة إلى الذات في كونهما مشيرين إلى حقيقة واحدة كما ذكر.
قال له السائل « فله كيفيّة؟ ». قال : « لا لأنَّ الكيفيّة جهة الصفة والإحاطة » وكلٌّ منهما ينافي بساطته وقاهريّته المطلقتين ، وأمّا من جهة أنّ التكيّف بكيف يستلزم توصيفه وإحاطة الواصفين به من ذلك الوجه ، وهذا الوجه بقرينة الجمل الآتية أقرب إلى سياق الكلام.
قوله عليهالسلام : « ولكن لابدّ من إثبات أنّ له كيفيّة لا يستحقّها غيره ولا يشارك فيها ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره » ،