ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْأَحْوَلِ ، فَقَالَ : « قَيَّاسٌ رَوَّاغٌ (١) ، تَكْسِرُ بَاطِلاً بِبَاطِلٍ ، إِلاَّ أَنَّ بَاطِلَكَ أَظْهَرُ ».
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلى قَيْسٍ الْمَاصِرِ ، فَقَالَ : « تَتَكَلَّمُ ، وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ (٢) مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم أَبْعَدُ (٣) مَا يَكُونُ (٤) مِنْهُ ، تَمْزُجُ الْحَقَّ مَعَ الْبَاطِلِ ، وَقَلِيلُ الْحَقِّ يَكْفِي عَنْ كَثِيرِ الْبَاطِلِ ، أَنْتَ وَالْأَحْوَلُ قَفَّازَانِ (٥) حَاذِقَانِ (٦) ».
قَالَ يُونُسُ : فَظَنَنْتُ ـ وَاللهِ ـ أَنَّهُ يَقُولُ لِهِشَامٍ قَرِيباً مِمَّا قَالَ لَهُمَا ، ثُمَّ قَالَ : « يَا هِشَامُ ، لَاتَكَادُ تَقَعُ ، تَلْوِي رِجْلَيْكَ (٧) إِذَا هَمَمْتَ بِالْأَرْضِ طِرْتَ (٨) ، مِثْلُكَ فَلْيُكَلِّمِ النَّاسَ ، فَاتَّقِ الزَّلَّةَ ، وَالشَّفَاعَةُ مِنْ وَرَائِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ ». (٩)
__________________
(١) في « ج ، ض » : « روّاع ». وقوله : « رَوّاغ » ، أي ميّال عن الحقّ ، من الرَوْغ والرَوَغان بمعنى الميل إلى الشيء سرّاً ، وطلب الشيء بكلّ طريق. وهو في الأصل مايفعله الثعلب ، وهو أن يذهب هكذا وهكذا مكراً وخديعة. انظر : المغرب ، ص ٢٠٢ ؛ لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٤٣٠ ـ ٤٣١ ( روغ ).
(٢) هكذا في « ف ، ض ، بح ، بر ، بف » ومرآة العقول. وفي المطبوع : « تكون ».
(٣) في مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٧٥ : « يحتمل أن يكون « أبعد » منصوباً على الحاليّة سادّاً مسدّ الخبر ، كما فيقولهم : أخطب ما يكون الأمير قائماً ، على اختلافهم في تقدير مثله ».
(٤) هكذا في « ج ، ض ، بح ، بر ». وفي سائر النسخ والمطبوع : « تكون ».
(٥) « قفّازان » من القفز بمعنى الوثوب ، أي وثّابان من مقام إلى آخر غير ثابتين على أمر واحد. وفي شرح صدر المتألّهين ، ص ٤٤٤ : « هو من القفيز بمعنى المكيال. والمراد علم الميزان ، أي كانا حاذقين في علم الميزان ». وفي حاشية ميرزا رفيعا : « فقاران ». أي فتّاحان عن المعاني المغلقة ، مستخرجان للغوامض. انظر : الصحاح ، ج ٣ ، ص ٨٩١ ( قفز ) ؛ حاشية ميرزا رفيعا ، ص ٥٣٥ ؛ شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ١٢٤ ؛ الوافي ، ج ٢ ، ص ٣٠ ؛ مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٧٦.
(٦) في « ف » : « وحاذقان ».
(٧) « تلوي رجليك » ، أي تفتله ، تقول : لويتُ الحبلَ ، أي فتلته. انظر : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٤٨٥ ( لوى ).
(٨) في مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٧٧ : « والحاصل أنّك كلّما قربتَ من الأرض وخفت الوقوع عليها لويت رجليك ـ كما هو شأن الطير عند إرادة الطيران ـ ثمّ طرت ولم تقع. والغرض أنّك لاتُغلَب من خصمك قطّ ». وفي حاشية ميرزا رفيعا ، ص ٥٣٥ : « ولا يخفى ما فيه من الدلالة على كمال قوّته واقتداره في التكلّم الّذي كنى بالطيران عنه تشبيهاً له في حاله بالطائر الكامل في قوّته على الطيران ، حيث ادّعى له ما يندر تحقّقه في الطير ».
(٩) الإرشاد ، ج ٢ ، ص ١٩٤ ، بسنده عن الكليني ، مع اختلاف يسير. وراجع : رجال الكشّي ، ص ٢٧٥ ،