وهي ، في لمحة ، تصوّر المعركة العنيفة مع البشرية الضالّة الجاحدة ، المشاقّة لله ورسوله ، وتجادل في عنف ، وتتعنت في عناد ، وتجنح عن الهدى الواضح المبين.
إنها البشرية الضالّة التي تقول عن هذا القرآن العظيم ، كما ورد في التنزيل :
(إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) [الآية ٤].
أو تقول :
(أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٥).
والتي تقول عن محمد رسول الله :
(إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (٨).
أو تقول باستهزاء :
(أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (٤١).
وهذا التكذيب كان سمة الناس من عهد نوح (ص) إلى عهد محمد (ص). لقد اعترض القوم على بشرية الرسول (ص) ، واعترضوا على حظه من المال ، فقالوا ، كما ورد في التنزيل :
(أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) [الآية ٨].
واعترضوا على طريقة تنزيل القرآن ، فقالوا ، كما ورد في التنزيل :
(لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الآية ٣٢].
وذلك فوق التكذيب والاستهزاء ، والافتراء والإيذاء. وعند ما يئس النبي (ص) من أهل مكة توجه إلى الطائف وفيها قبائل ثقيف ، وفيها نعمة وغنى وزراعة وأعناب ؛ حتى كان العرب يعتقدون أن طائفة من الجن نقلتها من اليمن السعيد إلى جنوب الحجاز.
ولمّا ذهب إلى الطائف ، دعا أهلها للإسلام فردوه أسوأ رد ، وأغروا به السفهاء والعبيد يرجمونه بالحجارة ، حتى دميت قدماه الشريفتان وأغمي عليه ، فلما أفاق مد يده لله داعيا متضرعا يقول :
«اللهم أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس. يا ربّ العالمين أنت ربّ المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني ، إلى عدو يتجهمني ، أو بعيد ملّكته أمري؟ أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات