وصلح عليه أمر الدنيا والاخرة أن ينزل بي سخطك ، أو يحلّ عليّ غضبك ، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، عافيتك هي أوسع لي ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».
* * *
وقد نزلت سورة الفرقان في أعقاب رحلة الطائف ، فكانت حنانا ورحمة من الله لنبيه ، تمسح آلامه وتسرّي عنه ، وتهوّن عليه مشقة ما يلقى من عنت القوم ، وسوء أدبهم وتطاولهم على من اختاره الله سبحانه ، ليحمل رسالة الله إلى الناس ؛ وتعزّيه عن استهزائهم بتصوير المستوي الهابط الذي يتمرغون فيه :
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٤٤).
ويتكفل القرآن بالعون والمساعدة في معركة الجدل والمحاجّة :
(وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (٣٣).
ثم تعرض السورة أهوال القيامة ومشاهد المجرمين تهديدا ووعيدا : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) (٢٦).
وتصف ندم هؤلاء الكفار يوم القيامة فتقول :
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) (٢٨).
ثم تقدّم السورة مسيرة الأنبياء وجهادهم وبلاءهم ، تسلية للرسول الأمين ، ثم تحثّه على الصبر والمصابرة ، وعلى جهاد الكفار بالحجة والبرهان :
(فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) (٥٢).
وهكذا تمضي السورة : في جانب منها إيناس وتسرية وعطف وإيواء من الله لرسوله ، وفي جانب آخر مشاقّة وعنت من المشركين لرسول الله ؛ وتقدّم السورة جوانب القدرة الإلهية ، وتصف عجائب صنع الله في مد الظلّ ، وتسخير الشمس ، وخلق الليل والنهار ، والظلام والنور ، وإنزال المطر وإنبات النبات ، وخلق الإنسان والكواكب