السَّاجِدِينَ) (٢١٩) وهذه استعارة. وليس هناك تقلّب منه على الحقيقة. وإنما المراد به تقلّب أحواله بين المصلّين وتصرّفه فيهم بالركوع والسجود ، والقيام والقعود. وذهب بعض العلماء في تأويل هذه الآية مذهبا آخر ، فقال : المراد بذلك تقلّب الرسول (ص) في أصلاب الآباء المؤمنين. واستدل بذلك على أن آباءه إلى آدم (ع) مسلمون ، لم تختلجهم خوالج الشرك ، ولم تضرب فيهم أعراق الكفر ، تكريما له عليهالسلام عن أن يجري إلا في منزّهات الأصلاب ، ومطهّرات الأرحام. وهذا الوجه يخرج به الكلام عن أن يكون مستعارا.
وقوله سبحانه : (يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) (٢٢٣) وهذه استعارة على أحد التأويلين. وهو أن يكون المراد بها أنهم يشغلون أسماعهم ، ويديمون إصغاءهم ليسمعوا من أخبار السماء ما يموّهون به على الضّلّال من أهل الأرض ، وهم عن السمع بمعزل ، وعن العلم بمزجر. وذلك كقول القائل لغيره : قد ألقيت إليك سمعي. أي صرفته إلى حديثك ، ولم أشغله بشيء غير سماع كلامك. والتأويل الاخر أن يكون السّمع هاهنا بمعنى المسموع ، كما يكون العلم بمعنى المعلوم ، فيكون التأويل أن الشياطين يلقون ما يدّعون أنهم يستمعونه إلى كل أفّاك أثيم ، من أعداء النبي (ص) ، على طريق الوسوسة واعتماد القدح في الشريعة. وهذا الوجه يخرج الكلام عن حد الاستعارة.
وقوله سبحانه : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) (٢٢٥). وهذه استعارة. والمراد بها ، والله أعلم ، أن الشعراء يذهبون في أقوالهم المذاهب المختلفة ، ويسلكون الطرق المتشعّبة. وذلك كما يقول الرّجل لصاحبه إذا كان مخالفا له في رأي ، أو مباعدا له في كلام : أنا في واد ، وأنت في واد. أي أنت ذاهب في طريق وأنا ذاهب في طريق. ومثل ذلك قولهم : فلان يهبّ مع كل ريح ، ويطير بكل جناح ، إذا كان تابعا لكل قائد ، ومجيبا لكل ناعق.
وقيل إن معنى ذلك تصرّف الشاعر في وجوه الكلام من مدح وذم ، واستزادة ، وعتب ، وغزل ، ونسيب ، ورثاء ، وتشبيب ، فشبّهت هذه الأقسام