مقابل الجن في طائفة من الآيات.
والإنس والإنسان شيء واحد ، وزيادة الألف والنون لكمال صيغة جديدة.
ثم إذا وقفنا قليلا وجدنا لغة قديمة في «الإنسان» هي «إيسان» وهذه اللغة الأخيرة ذات صلة وثيقة بمادة «أيس» الذي يعني الوجود. ولم يرد هذا إلا في قول الخليل بن أحمد : أن العرب تقول جيء به من حيث «أيس ، وليس» لم تستعمل «أيس» إلا في هذه الكلمة ، وإنما معناها كمعنى حيث ، هو في حال الكينونة والوجد مصدر «وجد» ، وقال : إنّ معنى «لا أيس» أي لا يوجد.
أقول : والذي يؤيّد هذا ، ما نعرفه من أن في العبرانية من هذا شيئا هو أن إيش بمعنى رجل ، ويقابله إيث في الآرامية.
ولنرجع إلى العربية فنجد أن كلمة «شيء» ، ومعناها معروف ليس بعيدا عن مادة «وجد» ، فالشيء موجود بطبعه وحقيقته ، وكأن الأصل هو مقلوب «أيش» الذي يذكرنا ب «أيس» ، الذي يفيد الوجود والذي بقي شيء منه في مادة «ليس» ، أي «لا أيس». وكان الفلاسفة على حق في التمسّك ب «الأيس» و «الليس» للدلالة على الوجود وعدمه.
٢ ـ وقال تعالى : (وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) [الآية ١٠].
وقوله تعالى : (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي : ولم يرجع ، ويقال عقّب المقابل إذا كرّ بعد الفرار ، قال :
فما عقّبوا إذ قيل هل من معقّب ولا نزلوا يوم الكريهة منزلا يصف قوما بالجبن وأنهم إن قيل : هل من معقّب وراجع على عقبه للحرب؟ فما رجعوا إليها ، ولا نزلوا يوم الحرب ، منزلا من منازلها ، أي : لم يقدموا مرة على العدو.
أقول : وهذا من الكلم المفيد الذي كان ينبغي أن يكون له مكان في العربية المعاصرة ، وذلك للحاجة إليه في أحوال مشابهة.
٣ ـ وقال تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (١٣).
المبصرة : الظاهرة البيّنة ، جعل الإبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمليها ، لأنهم لابسوها ، وكانوا منها بنظرهم وتفكيرهم فيها.