أقول : وهذا شيء من استعمالات لغة القرآن البديعة ، التي تأتي بغير المألوف من إسناد الأفعال ، وذلك يحقّق فوائد في إدراك المعاني وتصويرها ، على نحو لم يلتفت إليه أهل النظر.
٤ ـ وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) [الآية ١٨].
أقول جاء الفعل «يحطم» في هذه الآية فعلا ثلاثيا.
ومثله ما جاء في قوله تعالى :
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (٤٢) [القصص].
والفعل «قبح» في قوله تعالى (مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (٤٢) ثلاثي أيضا.
أقول : والفعلان في العربية المعاصرة مزيدان بالتضعيف ولا نعرف صيغة الثلاثي فيهما فيقال : حطم القيد وحطّم الزّجاج ، على الحقيقة وحطّم الأحوال ، وفلان محطّم أي : متعب مريض ، على سبيل المجاز.
ومثله يقال : قبّحه الله في الدعاء عليه. ٥ ـ وقال تعالى : (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) [الآية ١٩].
أي اجعلني أزع شكر نعمتك عندي ، أي : كفّني عن الأشياء إلّا عن شكر نعمتك ، وكفّني عما يباعدني عنك.
أقول : وهذا من الأفعال ذات المعاني المفيدة.
٦ ـ وقال تعالى : (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) [الآية ٣٦].
حذفت الياء من قوله تعالى : (أَتُمِدُّونَنِ) وحقها أن تثبت لأنها ضمير في موضع المفعول به ، والاكتفاء بالكسرة من خط المصحف.
والاكتفاء بالكسرة ربما كان للاهتمام بالكلمة التالية ، وهي (بِمالٍ) ، فكأن قصر المد والاكتفاء بكسر النون يغري السماع ، ويدفعه إلى الاهتمام بالكلمة اللاحقة.
٧ ـ وقال تعالى : (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) [الآية ٣٧].
وقوله تعالى : (لا قِبَلَ) أي : لا طاقة.
أقول : لم يعرف أهل عصرنا المصدر «قبل» ، وقد استعاضوا منه المصدر الصناعي «القابلية» بمعنى