فكان ذلك ذنبا يستغفر منه مثله. قال ابن جريج : ليس لنبيّ أن يقتل ما لم يؤمر.
فإن قيل : إنّ موسى (ع) ، ما سقى لابنتي شعيب (ع) ، طلبا للأجر ، فكيف أجاب دعوة إحداهما ، لمّا قالت كما ورد في التنزيل : (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) [الآية ٢٥]؟
قلنا : يجوز أن يكون قد أجاب دعوتها ، ودعوة أبيها لوجه الله تعالى ، على سبيل البر والمعروف ابتداء ، لا على سبيل الإجزاء ، وإن سمّته هي جزاء ؛ ويؤيّد هذا ، ما روي أنّه لما قدّم إليه الطعام امتنع ، قال : «إنّا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع (١) الأرض ذهبا ، ولا نأخذ على المعروف أجرا» ، حتى قال له شعيب (ع) : «هذه عادتنا ، مع كلّ من ينزل بنا».
فإن قيل : لم قال له شعيب (ع) كما ورد في التنزيل : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) [الآية ٢٧] ، ومثل هذا النكاح ، لا يصحّ لجهالة المنكوح ، والنبي (ع) لا ينكح نكاحا فاسدا ، ولا يعد به؟ قلنا : إنّما كان ذلك وعدا بنكاح معيّنة عند الواعد ، وإن كانت مجهولة عند الموعود ، ومثله جائز ، ويكون التعيين عند إنجاز الوعد ، كما وقع منه.
فإن قيل : لم قال تعالى هنا : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) [الآية ٣٢] ؛ فجعل الجناح هنا مضموما ، وقال في سورة طه ؛ (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) [طه : ٢٢] ، فجعل الجناح هناك مضموما إليه ، والقصة واحدة؟
قلنا : المراد بالجناح المضموم هنا ، هو اليد اليمنى ، والمراد بالجناح المضموم إليه في سورة طه ، ما بين العضد إلى الإبط من اليد اليسرى ، فلا تناقض بينهما.
فإن قيل : ما معنى قوله تعالى : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) [الآية ٣٢]؟
قلنا : لمّا رهب الحيّة ، أمره الله تعالى ، أن يضمّ إليه جناحه ، ليذهب عنه الفزع ، وإنما قال تعالى : (مِنَ الرَّهْبِ) ، لأنه جعل الرهب الذي أصابه علّة وسببا ، لما أمر به من ضمّ
__________________
(١). طلاع الأرض : مثلها.