الجناح. قال مجاهد : كل من فزع من شيء ، فضمّ جناحه إليه ، ذهب عنه الفزع. وقيل حقيقة ضمّ الجناح غير مرادة ؛ بل هو مجاز ، عن تسكين الروع وتثبيت الجأش. قال أبو علي : لم يرد به الضم بين شيئين ، وإنما أمر بالعزم والجدّ في الإتيان بما طلب منه ؛ ومثله قولهم :
اشدد حيازيمك للموت فليس فيه شدّ حقيقة. وقيل في الآية تقديم وتأخير ، تقديره : ولّى مدبرا من الرهب.
فإن قيل : ما الحكمة في تصديق هارون لموسى (ع) ، في قوله تعالى : (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) [الآية ٣٤]؟
قلنا : ليس المراد بقوله تعالى : (رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) أن يقول هارون لموسى (ع) : صدقت في دعوى الرسالة ، فإنّ ذلك لا يفيده عند فرعون وقومه ، الذين كانوا لا يصدّقونه ، مع وجود تلك الآية الباهرة والمعجزات الظاهرة ، بل مراد موسى (ع) أن يلخّص حججه بلسانه ، ويبسّط القول فيها ببيانه ، ويجادل عنه بالحق ، فيكون ذلك سببا لتصديقه. ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) [الآية ٣٤]؟ وفضل الفصاحة ، إنما يحتاج إليه لما قلنا ، لا لقوله صدقت ، فإن سحبان وائل وباقلا في ذلك سواء.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) [الآية ٤٤] ، أي أحكمنا إليه الوحي ، مغن عن قوله تعالى : (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [الآية ٤٤] ، أي من الحاضرين عند ذلك؟
قلنا : معناه وما كنت من الشاهدين قصّته ، مع شعيب (ع) ؛ فاختلفت القضيّتان.
فإن قيل : لم قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الآية ٥٠] ، وكم رأينا من الظالمين بالكفر والكبائر ، من قد هداه الله للإسلام والتوبة؟
قلنا : قد سبق مثل هذا السؤال وجوابه في سورة المائدة.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) [الآية ٦٤] ، وإنّما يرى العذاب من كان ضالًّا ، لا مهتديا.
قلنا : جواب «لو» محذوف تقديره : ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ،