والقلب لا يكون إلا في الصدور ، فإن هذا الاسم الذي هو القلب لما كان فيه اشتراك بين مسمّيات كقلب الإنسان ، وقلب النخلة ، والقلب الذي هو الصميم والصريح. من قولهم هو عربيّ قلبا (١) ، والقلب الذي هو مصدر قلبت الشيء أقلبه قلبا ، حسن أن يزال اللّبس بقوله تعالى : (الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٤٦) ، احترازا من تجويز الاشتراك.
وقوله سبحانه : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) (٥٥) من أحسن الاستعارات. لأن العقيم المرأة التي لا تلد ، فكأنه سبحانه وصف ذلك اليوم بأنه لا ليل بعده ولا نهار ، لأن الزمان قد مضى ، والتكليف قد انقضى. فجعلت الأيام بمنزلة الولدان للّيالي ، وجعل ذلك اليوم من بينها عقيما ، لأنه لا ينتج ليلا بعده ، ولا يستخلف بدلا له. وقد يجوز أيضا أن يكون المراد ، والله أعلم ، أن ذلك اليوم لا خير بعده ، لمستحقّي العقاب ، الذين قال الله سبحانه في ذكرهم : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) [الآية ٥٥] فوصفه بالعقم لأنه لا ينتج لهم خيرا ، ولا ينتج لهم فرحا.
وفي قوله سبحانه : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ) [الآية ٧٢] استعارة ، والمراد بها ، والله أعلم ، أن الكفار عند مرور الآيات بأسماعهم يظهر في وجوههم من الإنكار لسماعها والإعراض عن تأملها ، ما لا يخفى على المخالط لهم ، والناظر إليهم. وذلك كقول القائل : عرفت في وجه فلان الشّرّ. أي استدللت منه على اعتقاد المكروه ، وإرادة فعل القبيح.
ويحتمل قوله تعالى : (الْمُنْكَرَ) هاهنا وجهين : أحدهما أن يكون المنكر ما ينكره الغير من أمرهم. والاخر أن يكون ما ينكرونه هم من الهجوم عليهم ، بتلاوة القرآن ، وصوادع البيان.
__________________
(١). في «الأساس» للزمخشري : هو أعرابي قلب ، أي محض واسط في قومه.