أمّا المقدّمة الثّانية : فلأنّك عرفت منّا مرارا ، أنّ الخارج إنّما هو ظرف سقوط التّكليف لا ثبوته ، وأنّ متعلّق الأحكام إنّما هو الطّبيعة ، لا الخارج ، وعليه ، فما هو مصبّ ثبوت الحكم وهو الطّبيعة متعدّد ، كتعدّد نفس الحكم ، وما هو واحد واقع في الخارج ليس هو مصبّ الحكم حتّى يلزم محذور اجتماع الحكمين المختلفين.
وأمّا المقدّمة الثّالثة ، والرّابعة : فقد ظهر ضعفهما ممّا بيّنا ، فراجع وتأمّل. (١)
فتحصّل : أنّ كلّ حكم من الوجوب والحرمة مقصور على متعلّقه لا يسري من مصبّه إلى مصبّ حكم آخر ؛ وذلك ، لما عرفت آنفا ، من أنّ المتعلّق هي الطّبيعة ، فالواجب في مثل الصّلاة هو طبيعيّها المأمور به ، والحرام في مثل الغصب هو طبيعيّه المنهيّ عنه ، وهما أمران مختلفان ، والمفروض ـ أيضا ـ أنّ الخارج ليس مأمورا به ، ولا منهيّا عنه ، سواء كان واحدا وجودا ، أم متعدّدا.
__________________
(١) هذا ، ولكن يمكن أن يقال : أنّ من البعيد جدّا ، أن يكون مراد المحقّق الخراساني قدسسره من المقدّمة الثّانية ، أنّ الفعل الخارجي الصّادر عن المكلّف هو متعلّق الحكم ، كيف ، وأنّه قدسسره صرّح في مبحث الأمر بأنّ الحقّ ، أنّ الأوامر والنّواهي تكون متعلّقة بالطّبائع دون الأفراد ، بل مراده قدسسره أنّ متعلّق الحكم في مثل الصّلاة في الدّار المغصوبة هي طبيعة الحركة الّتي تكون فعلا وعملا صادرا عن المكلّف في الخارج ، لا اسم الصّلاة ولا عنوان الغصب ، وبعبارة اخرى : أنّ الحركة الّتي صدرت عن المكلّف ووقعت في الخارج ليست هي متعلّقة للحكم ولا يكون ذلك مراده قدسسره ، بل لا ينبغي أن يتفوّه به أحد ، فضلا عن مثل هذا المحقّق.
ويمكن أن يقال ـ أيضا ـ أنّ مراده قدسسره من كلمة «المعنون» في المقدّمة الثّالثة ومن كلمة : «الموجود بوجود واحد» في المقدّمة الرّابعة هي طبيعة الحركة ، حيث إنّه قال : «وإنّ مثل الحركة في دار من أيّ مقولة كانت لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيّتها ويتخلّف ذاتياتها وقعت جزءا للصّلاة أو لا ...». كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٢٥١.