ثمّ بعد ذلك قال قدسسره (١) : «وبما ذكرنا ، يظهر ضعف ما أفاده بعض الأكابر (٢) من : أنّا لا نتعقّل لسنخ الحكم وجها معقولا ، لوضوح أنّ المعلّق في قولك : «إن جاءك زيد ، فأكرمه» هو الوجوب المحمول على إكرامه ، والتّعليق يدلّ على انتفاء نفس المعلّق عند انتفاء المعلّق عليه ، فما فرضته سخنا إن كان متّحدا مع هذا المعلّق موضوعا ومحمولا ، فهو شخصه ، لا سنخه ؛ إذ لا تكرّر في وجوب إكرام زيد ، وإن كان مختلفا معه في الموضوع ، كإكرام عمرو أو المحمول ، كاستحباب إكرام زيد ، فلا معنى للنّزاع ـ انتهى كلامه ـ ووجه الضّعف ظاهر ، فلا نطيل المقام». (٣)
هذا ، ولكن يرد على التّقريب الأوّل والثّاني بأنّهما لا يثبتان كون الجزاء سنخا عامّا كلّيّا ولا يخرجانه عن الخاصّ والجزئيّة ، إلّا أن يكون في البين إلغاء الخصوصيّة ، فيرجعان حينئذ إلى التّقريب الثّالث ، ولو لا رجوعهما إليه لما كانا يجديان شيئا ؛ ضرورة ، أنّ مجرّد كون التّرتّب والتّناسب الواقعي بين مادّة الشّرط ـ في المثال المتقدّم ـ وهو المجيء ، وبين مادّة الجزاء وهو الإكرام لا يوجب صيرورة الجزاء وهو مفاد الهيئة عامّا كلّيّا ، فلا بدّ وأن يراد بما في التّقريب الأوّل من قوله : «بلا خصوصيّة للحكم المنشأ» وفي التّقريب الثّاني من قوله : «ففي الحقيقة يكون التّناسب موجودا بين طبيعة ما يتلو أداة الشّرط ومادّة الجزاء ...» هو إلغاء الخصوصيّة ، كما أشار إليه في التّقريب الثّالث ، مع أنّ إرادة ذلك من التّقريب الثّاني مشكل ؛ إذ من المحتمل قويّا أنّ المراد منه ما عن الشّيخ الأنصاري قدسسره من التّصريح بأنّ ارتفاع مطلق
__________________
(١) أى : الإمام الرّاحل قدسسره.
(٢) وهو المحقّق البروجردي قدسسره ، راجع ، نهاية الاصول : ص ٢٧٣.
(٣) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٣٤٤ و ٣٤٥.