وهذا هو مراده قدسسره وغيره من الأعلام من قولهم : إنّ الشّكّ في الحجّيّة مساوق للقطع بعدم الحجّيّة.
ولا يخفى : أنّ مرادهم من الحجّة هنا : هي الحجّة الفعليّة ، بمعنى : أنّ الشّكّ في إنشاء الحجّيّة لأمر كذا ، أو الشّكّ في إمضاء حجّيّته ، مساوق للقطع بعدم الحجّيّة الفعليّة ، وعدم ترتّب تلك الآثار الأربعة ، لا أنّ الشّكّ في إنشاء الحجّيّة مساوق للقطع بعدم إنشائها حتّى يشكل عليه بما اشير إليه من الإشكال ، ولا أنّ معناه ، أخذ العلم بالحجّيّة موضوعا لها ، بحيث لا تكون حجّة واقعا مع عدم العلم بها ، فإنّ ذلك واضح الفساد ؛ بداهة ، أنّ الحجّيّة كسائر الأحكام الوضعيّة والتّكليفيّة لا يدور وجودها الواقعيّ ، مدار العلم بها ، بل معناه ، عدم ترتّب آثار الحجّة عليها ، من كونها منجّزة للواقع عند الإصابة وعذرا عند المخالفة ، فإنّ التّنجز يتوقّف على العلم بالحكم أو ما يقوم مقامه. هذا ما أفاده المحقّق النّائيني قدسسره ونعم ما أفاد (١).
ثمّ إنّ الشّيخ الأنصاري قدسسره (٢) سلك مسلكا آخر لإثبات عدم حجّية ما شكّ في حجّيّته ، مع عدم ورود دليل يدلّ على وقوع التّعبّد به من نقل أو عقل.
محصّل مقالته قدسسره : هو أنّ الأثر المترتّب على الحجّيّة اثنان : أحدهما : هو الاستناد إلى الحجّة في مجال العمل ومقام الإتيان والامتثال ؛ ثانيهما : هو الالتزام بكون بمؤدّاها هو حكم الله تعالى في حقّ المكلّف وإسناده إليه تعالى ، وحيث إنّ هذين الأمرين لا يترتّبان مع الشّك في الحجّيّة ، فيكشف إنّا عن عدم حجيّة ما شك في
__________________
(١) راجع ، فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ١٢٣.
(٢) راجع ، فرائد الاصول : ج ١ ، ص ١٢٥ إلى ١٣٢. الطّبعة الجديدة.