ثانيتهما : رواية زيد الشّحام ، قال : «دخل قتادة على أبي جعفر عليهالسلام فقال له :
أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال : هكذا يزعمون ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : بلغني أنّك تفسّر القرآن ، فقال له قتادة : نعم ، فقال له أبو جعفر عليهالسلام : فإن كنت تفسّره بعلم فأنت أنت ... قال عليهالسلام ويحك يا قتادة : إن كنت إنّما فسرّت القرآن من تلقاء نفسك ، فقد هلكت وأهلكت ، ويحك يا قتادة! إنّما يعرف القرآن من خوطب به» (١).
هذا الوجه ، كما ترى ، يرجع إلى منع الصّغرى ، وإنكار أصل ظهور الكتاب.
وفيه : أوّلا : أنّ اختصاص فهم القرآن بمن خوطب به ، مخالف لما نجده فيه من الظّهور والوضوح ، ومناف لكونه معجزة خالدة ، ولكونه نورا وبيانا.
كيف ، وأنّ النّاس يفهمون ظاهره ويعترفون بإعجازه وعدم القدرة على الإتيان بمثله ، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين الّذين قالوا : بأنّه سحر عظيم.
وثانيا : أنّ المعصومين عليهمالسلام أمرونا بالرّجوع إليه عند تعارض الخبرين ، بل مطلقا ، فلو كان رمزا فاقدا للظّهور ، لم يكن للإرجاع إليه وجه أصلا.
ومن هنا ظهر ، أنّ دعوى كون ألفاظ القرآن من قبيل الألغاز والأحاجي ومن قبيل فواتح السّور من دون ظهور له وفهم شيء منه ، في غاية الوهن والسّقوط.
نعم ، حيث إنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وآله عليهمالسلام يفهمون من القرآن مطلقا ـ من المتشابهات والمحكمات والظّواهر والبواطن ـ ما لا يفهمون منه غيرهم ، فلا بدّ في العمل بظواهره من الرّجوع إلى الرّوايات والفحص عن المنافيات والمعارضات ، وهذا أمر آخر غير قابل للإنكار.
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ١٣ من أبواب الصّفات القاضي ، الحديث ٥ ، ص ١٣٦.