ولعلّ ردع أبي حنيفة وتوبيخه ، وكذا قتادة في الرّوايتين المتقدّمتين ، إنّما هو لأجل استقلالهما في الفتوى واستدلالهما بلا الرّجوع إلى النّصوص ، وبلا التّفحّص عن المعارض.
كيف ، وقد أشرنا آنفا إلى أنّهم عليهمالسلام كانوا قد يرجعون إلى الكتاب المبين في موقف التّعارض بين الخبرين ، بل مطلقا ، كما أنّهم عليهمالسلام كانوا قد يشيرون إلى الاستدلال به وينبّهون عليه ، وقد ورد ذلك في روايات :
منها : رواية عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزوجل ، قال الله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ،) امسح عليه» (١).
ومنها : رواية زرارة ، قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إنّ المسح ببعض الرّأس ، وبعض الرّجلين؟ فضحك عليهالسلام فقال عليهالسلام يا زرارة! قاله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزل به الكتاب من الله عزوجل ... فقال تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) فعرفنا حين قال تعالى : (بِرُؤُسِكُمْ) أنّ المسح ببعض الرأس لمكان «الباء» ، ثمّ وصل الرّجلين بالرّأس ... فقال تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فعرفنا حين وصلهما بالرّأس أنّ المسح على بعضهما» (٢).
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ج ١ ، كتاب الطّهارة ، الباب ٣٩ من أبواب الوضوء ، الحديث ٥ ، ص ٣٢٧.
(٢) وسائل الشّيعة : ج ١ ، كتاب الطّهارة ، الباب ٢٣ من أبواب الوضوء ، الحديث ١ ، ص ٢٩٠ و ٢٩١.