بذلك صوته ثمّ يعيدهما رافعاً بهما صوته إلّا أنّ مالكاً قال التكبير في أوّله مرّتان حسب فيكون الأذان عنده سبع عشرة كلمة وعند الشافعي تسع عشرة كلمة » .
إلى أن يقول : ... ولنا حديث عبد الله بن زيد والأخذ به أولى ، لأنّ بلالاً كان يؤذّن به مع رسول الله دائماً سفراً وحضراً ، وأقرّه النبيّ على أذانه بعد أذان أبي محذورة .
قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله [ يعني أحمد بن حنبل ] يسأل : إلى أيّ الأذان يذهب ؟ قال : إلى أذان بلال ... قيل لأبي عبد الله : أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأنّ حديث أبي محذورة بعد فتح مكّة ؟
قال : أليس قد رجع النبيّ إلى المدينة فأقرّ بلالاً على أذان عبد الله بن زيد ؟
وهذا من الاختلاف المباح ، فإن رجع فلا بأس نصّ عليه أحمد ، وكذلك قال إسحاق ، فإنّ الأمرين كلاهما قد صحّ عن النبي ، ويحتمل أنّ النبي إنّما أمر أبو محذورة بذكر الشهادتين سرّاً ليحصل له الإخلاص بهما ، فإنّ الإخلاص في الإسرار بهما أبلغ من قولهما إعلاناً للإعلام . وحضّ أبا محذورة بذلك لأنّه لم يكن مقرّاً بهما حينئذٍ ، فإنّ في الخبر أنّه كان مستهزئاً يحكي أذان مؤذّن النبيّ ، فسمع النبيّ صوته فدعاه ، فأمره بالأذان ، قال : ولا شيء عندي أبغض من النبي ولا ممّا يأمرني به فقصد النبيّ نطقه بالشهادتين سرّاً ليسلم بذلك ولا يوجد هذا في غيره ، ودليل هذا الاحتمال كون النبي لم يأمر بلالاً ولا غيره ممّن كان مسلماً ثابت الإسلام ، والله أعلم .
وبهذا فقد وقفنا على ما قاله أئمّة المذاهب الأربعة وعلمائهم ولهم الحق في أن يختلفوا فيه لاختلاف النصوص عن أبي محذورة ، ففي بعضها ترى النبيّ يلقي عليه الأذان هو بنفسه ويأمره بأن يمدّ صوته بعد أن أتى بالشهادتين تارةً أخرى (١) .
______________________
(١) مصابيح السنّة ١ : ٢٦٨ .