لو ألقى الباحث نظرة سريعة إلى أخبار الأذان عند الفريقين ، وما يرتبط به من مباحث كمبحث الإسراء والمعراج (١) ، لوقف على عمق الخلاف الفكري بين النهجين والتحريفات الواقعة فيه .
فغالب الجمهور يعتبرون أنَّ تشريع الأذان كان منامياً ، رآه أحد الصحابة ـ عبد الله بن زيد ، أو عمر بن الخطاب ، أو أبي بن كعب أو غيرهم ـ ثمّ أخذ عنه بلال ذلك الأذان بأمر رسول الله .
أمّا مدرسة أهل البيت فيرون تشريعه في الإسراء والمعراج ويسخّفون ذاك الراي ويبدّعونه .
فالذين اعتبروه مناماً من الأمويين وغيرهم كانوا يريدون أن يشكّكوا أو يقلّلوا من قيمة الرؤيا التي أراها الله لنبيّه في بني أميّة وأنّهم ينزون على منبره الشريف نزو القردة (٢) ، وذلك ما نزل فيه قوله تعالى : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ) (٣) .
كما أنّ القائلين بالتشريع المنامي ـ من أهل الرأي الأموي ـ سعوا للتقليل من مكانة الإسراء والمعراج والقول بأنّه كان بالروح لا بالجسد ، أي أنّه كان في المنام لا في اليقظة ، مستدلّين بما روته عائشة وطَبَّل له معاوية !!
______________________
(١) والذي مرّ في المجلّد الأوّل من هذه الدراسة (حي على خير العمل) .
(٢) مسند أبي يعلى ١١ : ٣٤٨ ح ٦٤٦١ ، المطالب العالية ١٨ : ٢٧٩ ، مجمع الزوائد ٥ : ٢٤٤ ، تاريخ الخلفاء ١ : ١٣ وغيره .
(٣) الإسراء : ٦٠ .