ما نذهب إليه
والآن لنُعطِ وجه جمع بين تلك الوجوه ، ونظرنا أنّ تلك الواقعة لو كانت قد وقعت فالنبيّ أراد بخروجه أن يبيّن عدم صلاحيّة أبي بكر للخلافة والإمامة ، وكان فعل ذلك معه حينما خرج إلى بني عمرو بن عوف ، فقد جاء في « فتح الباري » :
« إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة ، فجاء المؤذّن إلى أبي بكر فقال : أتصلّي للناس فأقيم ؟ قال : نعم . فصلّى أبو بكر ، فجاء رسول الله والناس في الصلاة ، فتخلّص حتّى وقف في الصف ، فصفّق الناس ، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلمّا أكثر الناس التصفيق التفت فرأىٰ رسولَ الله صلىاللهعليهوآله ، فأشار إليه رسول الله أن امكث مكانك . فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله من ذلك ، ثمّ استأخر أبو بكر حتّى استوى في الصف ، وتقدّم رسول الله صلىاللهعليهوآله فصلّى ، فلمّا انصرف قال : يا أبا بكر ، ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ؟ فقال أبو بكر : ما كان لابن أبي القحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله » (١) .
المهم أنّ الجميع يعلم أنّ رسول الله لم يعيّن أبا بكر مباشرة ، بل كلّ ما وقفنا عليه من نصوص هو حكاية الآخرين في تعيين رسول الله له ، وأنّ خروجه إلى المسجد وهو بذلك الحال يؤكّد عدم صحّة ما نقلوه عن رسول الله ، وأنّ ما قالوه من صلاة أبي بكر بصلاة رسول الله وصلاة الناس بصلاة أبي بكر ، إنّما يعني أنّه كان المكبّر لتلك الصلاة ، والناس كانوا يصلّون بصلاة أبي بكر ، بمعنى أنّهم يصلّون بتكبيره وإعلامه حكايةً لفعل رسول الله ، وهو ما يؤكّده حديث ابن مُسْهر :
______________________
(١) فتح الباري ٢ : ١٣٣ .