سادساً : إن اختصاص روايات الترجيع (١) والتثويب عند الجمهور بسعد القرظ وأبي محذورة ، بل وجود روايات مكذوبة على لسان بلال الحبشي في التثويب ، ليرشدنا إلى وجود اتّجاه حكوميّ يتبنى مسألة التثويب ، لأنّه لو صحّ قول رسول الله : إنّ بلالاً ينادي بليل فكُلُوا واشربوا حتّى ينادي ابن أم مكتوم . والذي رواه البخاري ومسلم (٢) .
لدل على أنّ بلالاً كان يؤذّن بالليل ، ومن المعلوم بأنّ أذان الليل ـ اليوم ـ ليس فيه الصلاة خير من النوم ، وما يُراد أن يُستدَلَّ به هو كونها في أذان الفجر ، وهذا ما لا يستفاد من هذه الأخبار ، ويضاف إليه « أن الصلاة خير من النوم » غير موجودة في أذان ابن أم مكتوم ، وعبد الله بن زيد الأنصاري وفي الأذان المشرّع في السماع والذي أذّن به جبرئيل .
كما عرفت بأنّ رواية أبي محذورة المستدلّ بها على التثويب قد شك الشافعي فيها ، وأخبر مالك في موطأه : بأنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قال لمؤذّنه : اجعلها في أذانك ، ومعناه أنّها لم تكن قبل عهده .
وبذلك فقد اختصت أحاديث التثويب بسعد القرظ ، ذلك الرجل الذي بقي مؤذّناً هو وولده إلى زمان الحجّاج بن يوسف الثقفي ـ وهذا يدعونا للقول بوجود اصابع اُموية في ترسيخ التثويب والترجيع .
______________________
(١) الترجيع في الأذان هو تكرير الشهادتين جهراً بعد إخفاتهما ، هكذا فسّره الصاغاني ، تاج العروس ٢١ : ٧٦ .
(٢) صحيح البخاري ١ : ٢٢٤ باب الأذان بعد الفجر / ح ٥٩٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٦٨ .