وذلك أنهم كانوا أهل رعاية وفلاحة ، وهاتان المعيشتان يحتاج فيهما إلى نظر في النجوم ، وبعد أن نظر إبراهيم في النجوم قال لقومه : إني مريض عليل ، فتولوا عنه وتركوه مدبرين لكفرهم به واحتقارهم لأمره. وهي في الظاهر كذبة من أجل رضوان الله ، وفي الحقيقة إنه مرض قلبي معنوي بسبب عبادة قومه الأصنام والأوثان. ومراعاة للظاهر في أنها كذبة ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة : «لم يكذب إبراهيم النبي عليهالسلام قط إلا ثلاث كذبات ، ثنتين في ذات الله : قوله : إني سقيم ، وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : ٢١ / ٦٣] وواحدة في شأن سارّة ، قال عنها : هي أختي» أي أختي في الإسلام ليخلصها من اعتداء ملك جبار في مصر.
فمال إبراهيم خفية إلى أصنام القوم ، وقد خرجوا خارج البلد في عيد لهم ، ووضعوا الطعام للأصنام لتباركه ، فقال لها تهكما وسخرية : ألا تأكلون من هذا الطعام المقدم لكم؟ وذلك على جهة الاستهزاء بعبدة تلك الأصنام ، ما الذي يمنعكم من النطق والجواب عن سؤالي؟ ومراده : التهكم والاحتقار ، لأنه يعلم أنها جمادات لا تنطق.
فمال عليهم يضربهم بقوة وشدة ، حتى حطّمهم إلا كبيرا لهم ، فأقبل إليه القوم بعد عودتهم من عيدهم مسرعين ، يسألون عمن كسرها ، وقد قيل : إنه إبراهيم ، وعرفوا أنه هو ، فقالوا له : نحن نعبدها وأنت تكسرها؟! فقال : أتعبدون من دون الله أصناما أنتم تصنعونها من حجر وعود ، وتنحتونها بأيديكم؟ والله الذي خلقكم وخلق أعمالكم هو الأحق بالعبادة ، وأجدر بالتعظيم ، فكيف تعبدون غيره؟ وقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٩٦) دليل على أن الله تعالى هو خالق أفعال العباد وهو مذهب أهل السنة ، وهو أن الأفعال خلق لله عزوجل واكتساب للعباد. وفي