فإن لم يجيبوك عما قلت لهم ، ولم يتّبعوا الحق ، ولم يؤمنوا بالقرآن وبرسالتك أيها النّبي ، فاعلم أنهم في عقائدهم الباطلة ، يتّبعون أهواءهم بلا حجة ولا برهان ، فهم جماعة أهواء وشهوات. والله يعلم أنهم لا يستجيبون ، ولكنه أراد سبحانه إيضاح فساد حالهم ، وسوء مقالهم ، وضعف موقفهم.
والواقع أنه لا أحد أضلّ منهم ، إذ ليس هناك في البشر أشدّ ضلالا عن الهدى والرشاد ممن سار مع أهوائه ، واتّبع شهواته ، بغير حجة مأخوذة من كتاب الله ، وهذا دليل على بطلان التقليد في العقائد ، وأنه لا بد لكل إيمان من دليل عليه ، إن الله لا يوفق للحق أهل الظلم الذين ظلموا أنفسهم بالشّرك والمعصية وتكذيب الرسل. وأما سبب إنزال القرآن منجّما مقسّطا بحسب الوقائع والمناسبات ، فهو أن الله أتبع إنزال القرآن بعضه بعضا في أزمان متتابعة ، ليتّصل التذكير ، ويتوافق مع الحكمة ، وينسجم مع المصلحة ، لعل قريشا وأمثالهم يتّعظون بالقرآن عن عبادة الأصنام ، أو يتذكّرون محمدا فيؤمنون به ، أو يتنبّهون لما فيه خيرهم وصلاحهم ، فيؤمنون بالقرآن وبمن أنزله وعلى من أنزله. قال أبو رفاعة القرظي في بيان سبب نزول آية (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ ..) : نزلت في اليهود في عشرة أنا أحدهم.
وقال جمهور العلماء : المعنى أعم ، وهو أننا واصلنا لقريش واليهود نزول القرآن ، وتابعناه موصولا بعضه ببعض في المواعظ والزجر والدعاء إلى الإسلام والحكمة.
المباهاة بإيمان بعض أهل الكتاب
ليس معسكر الشّرك أو الكفر كله شرّا أو سوءا ، فقد يتمخّض عن هذا الوسط بعض العناصر الواعية العاقلة ، يفكّرون في حقيقة الوحي القرآني ، ومشمولات شرائعه وأحكامه ، ودعوته إلى عقيدة الحق والتوحيد ، والخير والواقع السديد ،