فيؤمنون به ، ودليل هذا توارد وحدات الإيمان من أفراد وجماعات في كل زمان ومكان ، وهذا ما كان واقعا فعلا في إبّان نزول الوحي على النّبي صلىاللهعليهوسلم ، فقد ذكر الله تعالى القوم الذين آمنوا من أهل الكتاب مباهيا بهم قريشا ، وباعثا لهم على تقليدهم. قال سعيد بن جبير : نزلت آية (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ..) في سبعين من القسّيسين ، بعثهم النّجاشي ، فلما قدموا على النّبي صلىاللهعليهوسلم ، قرأ عليهم : (يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) (٢) حتى ختمها ، فجعلوا يبكون ، وأسلموا. وهذه هي الآيات :
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥)) (١) (٢) (٣) [القصص : ٢٨ / ٥٢ ـ ٥٥].
المعنى : إن جماعة من علماء أهل الكتاب الأصفياء العقلاء ، من اليهود والنصارى ، الذين عاصروا النّبي صلىاللهعليهوسلم ، آمنوا بالقرآن ، لتوافقه مع كتبهم ، وبشارتها بمحمد نبي آخر الزمان ، فإنهم أوتوا الكتاب من قبل القرآن ، وهم به الآن يصدقون. وهؤلاء الجماعة : إما من اليهود الذين أسلموا ، أو بحيرا الراهب ، أو النّجاشي وصحبه ، أو أهل نجران.
إذا يتلى القرآن على هؤلاء الجماعة يقولون : صدّقنا به ، وآمنّا بأنه الكلام الحقّ من ربّنا ، وكنا مصدّقين بالله ، مسلمين له ، أي موحّدين ، مخلصين لله ، خاضعين لحكمه ، مستجيبين لأمره ، من قبل نزول هذا القرآن على النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم. والمراد به الإسلام المتحصّل لهم من شريعة موسى وعيسى عليهماالسلام. وهذا المعنى هو الذي قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يرويه الجماعة (أحمد وأصحاب الكتب السّتة ما عدا أبا
__________________
(١) يدفعون.
(٢) السّب والشّتم من الكفار.
(٣) سلمتم منا لا نعاملكم بالمثل من الشتم وغيره.