يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦)) (١) [فصلت : ٤١ / ٣٣ ـ ٣٦].
أوضح ابن عباس سبب نزول هذه الآية ، فقال : هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، دعا إلى الإسلام ، وعمل صالحا فيما بينه وبين ربه ، وجعل الإسلام نحلة. وقال أيضا : هم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والمؤذنون هم أيضا داخلون في هذه الآية. لأنهم يدعون إلى الله وأداء الصلاة ، ولكن ليست الآية نازلة في المؤذنين ، خلافا لما روي عن عائشة وعكرمة ومجاهد وقيس بن أبي حازم ، لأن سورة (فصلت) مكية بلا خلاف ، ولم يكن بمكة أذان ، وإنما شرع الأذان بالمدينة ، لكن الأذان من الدعوة إلى الله تعالى.
والآية تعم بلفظها كل من دعا قديما وحديثا إلى الله تعالى وإلى طاعته ، من الأنبياء عليهمالسلام ، ومن المؤمنين. والمعنى : لا أحد أحسن ممن هذه حاله. إن أحسن الناس حالا : هم الدعاة إلى توحيد الله تعالى وطاعته وعبادته ، وإلى العمل الصالح : وهو أداء ما فرض الله على الإنسان واجتناب ما حرمه ، والذين يتخذون الإسلام دينا ومنهجا ومذهبا ، ويعمل كل واحد مع إخوته المسلمين على كل ما يشد أواصر الأخوة والتعاون والتناصر معهم.
ومن المعلوم بداهة أنه لا تساوي بين الفعلة الحسنة التي يرضى الله بها ويثيب عليها ، وبين الفعلة السيئة التي يكرهها الله ويعاقب عليها. والمداراة : من الحسنة ، والغلطة : من السيئة ، فادفع أيها الداعية المخلص من أساء إليك بالإحسان إليه ، بواسطة الكلام الطيب ومقابلة الإساءة بالإحسان ، والذنب بالعفو ، والغضب بالصبر والحلم ، وادفع أمورك وما يعرض لك مع الناس ، ومخالطتك لهم بالفعلة أو بالسيرة التي هي أحسن الفعلات والسير ، ومنها : بذل أو إفشاء السّلام ، وحسن
__________________
(١) أي يصرفنك عن الخصلة الفاضلة ، صارف فاستعذ بالله من وساوس الشيطان.