كنتم تريدون عبادة الله ، فعبادة الله وحده : هي الواجبة والصحيحة والنافعة ، وعبادة من دونه من المخلوقات الكونية : هي باطلة كل البطلان ، ولا تفيد شيئا. وهذا ردّ على الصابئة عبدة الكواكب ، وعلى عبدة الشمس الذين يزعمون أنهم يريدون من السجود للشمس والقمر السجود لله تعالى. ويلاحظ أن ذكر الليل والنهار يتضمن ما فيهما من طول وقصر ، وتداخل واستواء وتفاوت ، وذكر القمر والشمس يتضمن ما فيهما من عجائب وحكمة ونفع؟ فإن تكبر هؤلاء المشركون عبدة الكواكب عن امتثال أوامر الله تعالى وتوجيه رسوله ، وأبو إلا البقاء على شركهم ، فلا يهمنك أمرهم أيها الرسول ، فإن الذين يعبدون الله بحق كثيرون ، فمنهم الملائكة الأشراف ذوو المكانة عند الله ، لا المكان أو الموضع ، الذين يواظبون على عبادة الله ، وتنزيهه في كل وقت ، ليلا ونهارا ، وهم لا يملّون من عبادة الله سبحانه ، ولا ينقطعون عن متابعة العبادة ، وكلمة (عِنْدَ رَبِّكَ) ليست ظرف مكان ، وإنما هي بيان المنزلة والقربة.
إن هذه الآية تتضمن وعيد المشركين وحقارة أمرهم ، وأن الله تعالى غير محتاج إلى عبادتهم ، فأولى بهم إعادة النظر في صرف جهودهم في شيء لا طائل معه ولا نفع ، وإنما هو سبب عذاب وغضب وسخط من الله تعالى.
ثم ذكر الله تعالى دلائل أخرى من الأرض وما فيها من أسرار على وجوده وقدرته ووحدانيته ، ومن هذه الدلائل : أنك أيها الناظر ترى الأرض هامدة جامدة ، لا نبات فيها ولا حياة ، فإذا أنزل الله عليها المطر ، تحركت بالنبات ، وانتفخت وعلت ، وأخرجت مختلف ألوان الزروع والحبوب والثمار ، وفيها مع ذلك خزائن الثروة المعدنية ، النفطية السائلة ، والجامدة من معادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والفوسفات وغيرها.
إن الذي أحيا هذه الأرض الجدبة بالنبات والزرع ، قادر على أن يحيي الأموات ،