مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)) (١) [فصلت : ٤١ / ٤٤ ـ ٤٦].
هذه الآية الكريمة نزلت بسبب تخليط قريش في أقوالهم ، من أجل الحروف المعرّبة في القرآن من كلام العجم ، كالسّجين والإستبرق ونحوه ، فقال الله عزوجل : ولو جعلنا هذا القرآن أعجميا (أي كلاما لا يبين ولا يفهم ولا يفهم ولا يفصح) لقالوا واعترضوا : لولا بيّنت آياته بلغتنا حتى نفهمها.
وهذا غير صحيح ، فهل يصح أن يكون هذا القرآن العربي بعضه عربيا ، وبعضه أعجميا؟ هذا لا يحسن ، وإنما المقصود الدلالة على أن مشركي قريش قوم متعنتون ، محاربون للقرآن ، بأي لغة أو صفة كان عليها. والواقع أن جميع ما في القرآن عربي ، إذا أرادوا الفهم والإفادة منه ، ولو نزل بلغة أعجمية لأنكروا ذلك ، وغاية القرآن : أن تقول أيها الرسول لقومك المشركين : إنه هداية من الظلمات إلى النور لقلب من آمن به ، وشفاء لما في الصدور من الشكوك والرّيب ، كما جاء في آية أخرى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء : ١٧ / ٨٢].
وبعبارة أخرى : أمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم : إن هذا القرآن هدى وشفاء للمؤمنين المبصرين للحقائق ، وإنه عمى على الذين لا يصدقون بالله ورسوله ، ولا يقلّبون أنظارهم في مصنوعات الخالق ، أي إنه معمّى عليهم ، فعلى أعينهم غشاوة ، وفي آذانهم صمم أو ثقل في السمع ، وعلى قلوبهم أقفال ، وهذا من قبيل المجاز المراد به أنهم لا يفهمون ما في القرآن ، كالعميان والطرشان ، ولا يهتدون إلى ما فيه من البيان ولا يبصرون ما اشتمل عليه من البراهين والمواعظ ، لتعطيلهم سبل المعرفة والإدراك.
ثم أكد الله تعالى على عدم استعدادهم لفهم القرآن ، فإن حالهم كحال من ينادى
__________________
(١) شديد الريبة أو الشك ، موقع في الاضطراب.