لقد باهى قارون الناس ، فخرج على قومه في موكب بهي ، في زينة عظيمة وأبهة واضحة ، وتجمّل باهر ، في الملابس والمراكب ، هو وحاشيته ، بقصد التّعالي على قومه ، وإظهار التّرفّع والمهابة ، فاغتر الجهلة أهل الدنيا وزينتها به وبمظاهره ، وتمنّوا ما لديه وقالوا : يا ليت لنا من الثروات والأبهة ما لقارون ، لنتمتّع بها مثله ، فإنه ذو نصيب وافر من الدنيا.
وقال الفريق الآخر ، وهم أولو العلم والمعرفة بالله تعالى وبحق طاعته والإيمان به زاجرين الجهلة الذين تمنّوا حال قارون : ويلكم (وهذه كلمة زجر) ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ، يلقاه في الدار الآخرة ، وهو أفضل مما تتمنّون ، ويكون حال المؤمن العامل الذي ينتظر ثواب الله خيرا من حال صاحب الدنيا فقط ، ولكن لا يتلقّى هذا الثواب العظيم أو الجنة إلا الصابرون على طاعة الله ، الرّاضون بقضائه وقدره ، في كل ما قسم من المنافع والمضارّ ، المترفّعون عن محبة الدنيا المؤثرون لها.
وكان المتوقّع ما قاله هؤلاء العارفون بالله ، وكان العقاب السريع لقارون المتفاخر الباغي : هو الخسف به وبداره الأرض ، حيث ابتلعته الأرض ، وغاب فيها ، جزاء لبطره وعتوه ، فلم يغن عنه ماله ولا حاشيته ، ولم يجد من يدفع عنه نقمة الله ، ولم يكن منتصرا لنفسه ، ولا منصورا من غيره. والفئة : جماعة المناصرة والنجدة.
وبعد هذه الكارثة التي أطاحت بقارون وتبيّن حقيقة الأمر ، صار الذين يتمنّون أن يكونوا مثله يقولون : (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) أي بل إن الله ، يوسع الرزق أو العطاء المادّي لمن يريد خلقه ، ويضيّقه على من يريد من عباده ، بحسب حكمته ومشيئته ، وليس المال المعطى دليلا على رضا الله ومحبته لصاحبه ، ولا منع المال برهانا على سخط الله وكراهيته لعبده ، فإن الله يعطي ويمنع ، ويضيّق ويوسّع ، ويخفض ويرفع ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة ، جاء في الحديث المرفوع عن ابن