دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣)) [العنكبوت : ٢٩ / ٤١ ـ ٤٣].
المعنى : إن فعل المشركين أو صفتهم في تأليه الأصنام وعبادتها من دون الله ، أملا في نصرتهم ونفعهم ، ودفع الضّر عنهم ، كصفة العنكبوت في ضعفها ، تتخذ لنفسها بيتا لحمايتها من الأذى ، ولكنه لا يفيدها شيئا ، فإنه سرعان ما يتبدّد بالريح أو بالحشرات المداهمة. فكذلك هؤلاء المشركون لا تفيدهم الأصنام شيئا ، ولا تدفع عنهم شرّا ، وتضيع جهودهم لوضعها في غير موضعها ، فهم في عملهم في غاية الضعف ، مثل بيوت العناكب التي هي أضعف شيء وأوهاه ، يخرّب بأدنى شيء ولا أثر له ، فكذلك أعمالهم لا أثر لها ، فلو كانوا يعلمون أدنى علم أن عبادة الأصنام لا تنفع ، ما فعلوا ذلك ، ولأقلعوا عما يعملون ، لكنهم في الواقع جهلة أغبياء ، لا يعلمون أن هذا مثلهم ، وأن حالهم ونسبتهم للحق كهذه الحالة.
ثم توالى تأكيد الله تعالى انعدام فائدة تلك المعبودات ، فذكر أن الله سبحانه يعلم أن الذي يعبده الوثنيون من الأصنام أو غيرها من الجنّ والإنس والكواكب ليس بشيء ولا فائدة فيه ، وإنما المعبود بحق : هو الله القوي الغالب القاهر ، الكبير المنتقم من الكفرة ، المشركين مع عبادته إلها آخر ، الحكيم في صنعه وتدبير خلقه ، يعلم ما هم عليه من الأعمال ، وسيجزيهم وصفهم ، فإنه سبحانه يعلم حالهم ، وأنه لا قدر لعملهم ، ولا قدر لما يعبدونه.
ثم ذكر الله تعالى الفائدة الملموسة من ضرب الأمثال والأشباه ، وهي أن الأمثال القرآنية والتشبيهات الحسّية التي يعقدها ويصوّرها الله تعالى ، إنما هي لتقريب الأشياء لأفهام الناس ، وتوضيح ما التبس عليهم ، ولكن لا يعقلها ويتدبّر معناها ، ويدرك المراد منها إلّا أهل العلم والمعرفة ، الذين يتجرّدون من العصبية والتقليد ،