وما كان لله العادل عدلا مطلقا أن يظلمهم أبدا فيما فعل بهم ، ولكنه سبحانه أهلكهم بذنوبهم ، وبظلمهم أنفسهم ، بكفرهم بربّهم وإنكار وجوده أو نسبة الشركاء له ، أو ادّعاء الألوهية.
إن هذا الجزاء والدّمار عبرة وعظة لأهل مكة وأمثالهم ، ممن ولجوا في العصيان والكفر والشّرك ، وتكذيب الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهي للتاريخ مثل مثير ، وتذكير للمعتبرين.
حال عبدة الأصنام
عجيب أمر عباد الأصنام ، وغريب ما تفكر به عقولهم ، ولا أجد مسوغا لهم في عبادتهم الأصنام إلّا محض التقليد الأعمى ، فإنهم يبنون في فراغ ، ويعملون في الهواء بدون ثبات ، لذا شبّه القرآن حالهم في عبادتهم الأصنام وبنائهم جميع أمورهم على ذلك ، بالعنكبوت التي تبني وتجتهد ، فإن بناءها ضعيف ، يتبدّد متى مسّته أدنى هامّة (وهي المخوف من الأحناش) أو دهمته نملة ، وكذلك أمر هؤلاء وسعيهم مضمحل ، لا قوة له ولا معتمد ، وكرّر القرآن الكريم في مناسبات مختلفة أن هذه العبادة من الوثنيين لا تنفعهم شيئا ، وإذا تركوها لا يصيبهم ضرر ، فكيف يليق بهم ترك عبادة الله القادر ، والتوجه نحو هذه الأحجار والأوثان؟! وتكون فائدة ضرب الأمثال في القرآن ، لتقريب الأشياء إلى العقول والأفهام ، كما ذكر الحقّ سبحانه في هذه الآيات الشريفة ، قال الله تعالى :
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ (١)
__________________
(١) حشرة معروفة تصنع بيتها بشبكة واهية.