فأما المؤمنون المصدّقون بالله ورسوله واليوم الآخر ، والعاملون العمل الصالح الذي يرضي الله ، والمجتنبون كل ما نهى الله عنه ، فهم أهل السرور والحبور ، والبهجة والمتعة ، إنهم يتمتعون بأكمل أوصاف النعيم ، ويتقلّبون في أعطاف النعمة والمسرّة ، كما قال الله تعالى في آية أخرى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السّجدة : ٣٢ / ١٧]. وقوله تعالى : (فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) أي في جنّة ينعّمون ويسرّون. والروضة : أحسن ما يعلم من بقاع الأرض ، وهي حيث يكثر النّبت الأخضر.
وأما أهل الكفر والجحود بوجود الله وتوحيده ، المكذّبون رسله وآياته ، المنكرون وقوع المعاد أو البعث بعد الموت ، فهم خالدون مخلّدون في عذاب الله في النار ، لا يغيبون عن الله أبدا ، ولا يفترون عنه مطلقا ، كما جاء في آية أخرى : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) [الحجّ : ٢٢ / ٢٢].
إن يوم القيامة يوم الانقطاع بين عالم الدنيا وعالم الآخرة ، وهو يوم الانفصال التامّ بين أهل الإيمان وأصحاب الكفر ، إنه يوم لا رجعة فيه إلى الدنيا ، ولا أمل بلقاء واقع بين المؤمنين والكفار. إن أهل الإيمان المتميزين بصالح الأعمال : وهو الائتمار بأمر الله ، واجتناب نواهيه ، يتنعّمون في رياض الجنة ، وينظرون إلى وجه الله الكريم ، وأما أهل الشّقاوة والكفر والجحود ، المكذّبون بآيات الله البيّنة ، والمنكرون لوجود القيامة ، فهم في العذاب جاثمون محضرون ، أي مدخلون إلى النار ، لا يغيبون عن العذاب ، ولا يخفف عنهم شيء من عذاب جهنم.
إن هذا الانقسام إلى فريقين في عالم الآخرة ، لهو واضح التأثير ، فالعاقل المدرك لمصيره ، المقدر لمخاطر مستقبله ، يبادر إلى الإيمان ، ويعمل لما بعد الدنيا ، مما ينجيه بين يدي الله ، بإيمان صحيح ، وعمل صالح خالص من الشوائب ، متمحض لله تعالى.