وإن شئت قلت : لو كان الحكم الواقعي في صورة الجهل هو التوضؤ دون التيمّم ، لما صحّ للشارع الهتاف بأنّه لا حكم ضرري في الإسلام ، وأنّ الحكم الضرري غير مجعول. فنفي الحكم الضرري بتاتاً مع تشريعه في حال الجهل لا يجتمعان أبداً.
استدلّ المحقّق النائيني (رحمهالله) على الصحّة بأمرين :
الأوّل : انّ كون الحديث مسوقاً للامتنان يقتضي التقييد بالضرر المعلوم ، وإلّا تلزم إعادة الوضوء والصوم على من تضرّر بهما ، ولم يعلم به ، وهذا خلاف المنة.
الثاني : انّ في مورد الضرر الواقعي ليس الحكم الشرعي بوجوب الوضوء والصوم هو الموجب للضرر ، أي ليس إطلاق الحكم هو الجزء الأخير من العلّة التامّة للضرر. ولو فرض انتفاء الحكم في الواقع ، لوقع هذا الشخص في الضرر لجهله واعتقاده بعدم التضرّر. فليس الضرر مستنداً إلى تشريع الحكم.
وبعبارة أُخرى : الحكم الفعلي على المتضرّر العالم بالضرر ، موجب للضرر ، وأمّا الحكم الواقعي الذي لا يتفاوت وجوده وعدمه في إقدام المكلّف على هذا الفرد ، فليس هو الجزء الأخير من العلّة للضرر. (١)
وفي كلا الوجهين تأمّل :
أمّا الأوّل ، فلأنّ معنى كون الحديث مسوقاً للامتنان ، ليس هو وجود الامتنان في كل مورد من موارده ، بل يكفي كون الحكم المشروع امتنانياً على الوجه الكلّي نظير كون رفع الحكم في موارد الاضطرار والإكراه امتنانياً. ولأجل ذلك لا يصحّ العقد المكره عليه وإن كان نافعاً لحال المكره ، كما إذا باع ما يساوي مائة بمائتين على وجه الإكراه ، لعموم دليل الإكراه ، إذ لا يلزم اشتمال كل مورد على الامتنان ، بل يكفي كون التشريع على ذلك الأساس.
__________________
(١) رسالة «لا ضرر» للخوانساري ، ص ٢١٥ ـ ٢١٦ بتلخيص.