وإن شئت قلت : إنّ مقتضى الجمع بين الحقّين أو دفع الضررين ، أوجب تشريع الأخذ بالشفعة. ولعلّ قوله : «لا ضرر» إشارة إلى كلا «الضررين» المقصودين في المقام ، أو أنّه إشارة إلى تجويز إبطال بيعه ، وأمّا أخذه بمثل الثمن فلأجل الجمع بين الحقّين. هذا كلّه حول الشفعة.
وأمّا الحديث الناهي عن نقع الماء (١) ، فقد ردَّ عليه أيضاً بوجهين :
الأوّل : أنّ الضرر لا ينطبق على منع المالك فضل ماله عن الغير. إذ من الواضح أنّ ذلك لا يعدّ ضرراً على الغير ، غايته عدم الانتفاع به.
الثاني : أنّ النهي في هذا المورد تنزيهي قطعاً لعدم حرمة منع فضل المال عن الغير بالضرورة. (٢)
والوجهان من حيث الضعف كالسابقين :
أمّا الأوّل : فلأنّ الحياة في البادية ـ خصوصاً يوم ذاك ـ كانت مقرونة بالضيق والمشقّة ، وكانت الآبار قليلة والتمكّن من الماء أمراً غير سهل ، فكان منع الغير من سقي المواشي ولو ببذل المال ، موجباً لتعرّض الأنعام والمواشي للهلاك والدمار ، لأنّ منع السقي كان ملازماً لترك الرعي والانتقال من البادية إلى بادية أُخرى فيكون موجباً لضرر أقوى.
وبذلك يظهر ضعف الوجه الثاني ، فإنّ الظاهر لزوم البذل وحرمة المنع ، رعاية لمصالح المسلمين إذا انحصر الماء في البادية بماء واحد. وقد أفتى بهذا ، الشيخ في المبسوط وابن زهرة في الغنية ، ونقله العلّامة عن ابن الجنيد في المختلف. والقول بأنّ النهي مخالف لقاعدة السلطنة ضعيف ، لأنّه مخالف لإطلاقه في بعض الأحايين ، ولا بعد فيه ، كإلزام المحتكر على البيع في عام الضيق ، وصاحب الدابة على بذل العلوفة لها ، والرجل لعائلته.
__________________
(١) على اختلاف النسخ ففي بعضها (نفع الماء).
(٢) مصباح الأُصول ج ٢ ، ص ٥٢١ ـ ٥٢٢.