تلك التمويهات له ، والله أعلم.
ويحتمل أن فرعون قال ذلك ؛ لما رأى أن البركات والخيرات تنزل من السماء ؛ فظن أنه في السماء.
ثم اختلف في الأسباب : قال بعضهم (١) : أسباب السموات : أبوابها.
ويحتمل أسباب السموات : هي الطرق التي تصعد إلى السماء.
وحقيقة الأسباب : هي ما يوصل بها إلى الأشياء ويقصد إليها ، وقد علم اللعين أنه لا يصل إلى ذلك بما ذكر من بناء الصرح ، لكنه أراد بذلك ما ذكرنا من التمويهات والتلبيس على قومه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً).
قال هاهنا : (لَأَظُنُّهُ كاذِباً) بعد ما قطع القول فيه : إنه كاذب وإنه كذاب ؛ ليعلم أنه على [حق] وأنه صادق ، لكنه يموه بذلك على قومه.
وقوله : (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ).
قال بعضهم : أي : زين الشيطان عليه سوء عمله.
ويحتمل أن يقال : زين له سوء عمله بالأتباع وكثرة الأموال والحشم الذي أعطي له ، زين له سوء عمله بالأسباب التي أعطيت له ، فيكون الله تعالى مزينا له سوء عمله بإعطاء الأسباب.
ويحتمل زين له سوء عمله ، أي : خلق في طبعه أن يرى ذلك حسنا مزينا وإن كان قبيحا في نفسه حقيقة على ما تقدم ذكره.
وقوله : (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ).
وقرئ : صد بالفتح ، فمن قرأ بالفتح فله معنيان :
أحدهما : صد هو بنفسه صدودا. والثاني : صد هو الناس عن سبيله صدّا.
ومن قرأ صد بالضم ، أي : لم يوفق ، ولم يرشد ؛ لما علم منه اختيار صده.
وقوله : (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ).
أي : في خسار ، التباب : الخسار ، يقال في قوله : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) [المسد : ١] : أي : خسرت ، ويقال : تبّا له ، أي : هلاكا له ، وقيل : تبت يد الرجل ، أي : خابت.
ثم أخبر عما ذكر ووعظ ذلك الرجل المؤمن من آله ، وهو قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِي
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٠٣٤٤) ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٥ / ٦٥٧).