آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ).
أي : أبين لكم سبيل الرشاد ، مرة خوفهم بما نزل بأوائلهم بتكذيب الرسل وترك اتباعهم ، ومرة بيّن سفههم في أنفسهم بسوء صنيعهم ، ومرة وعظهم ونصحهم ودعاهم إلى اتباعه ليبين لهم سبيل الرشاد ويهديهم إليه ، وإن خاف على نفسه الهلاك بعد ما أظهر الإيمان ولم يبال هلاك نفسه.
وقال الكسائي : الرشاد والرّشد والرّشد ثلاث لغات ، ولا يقرأ هاهنا غير (الرَّشادِ).
ثم قال : (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ).
أي : متاع ومنفعة يبلغ إلى منتهى آجالكم ، يبلغ به العاصي والمطيع إلى أجله ، يخبر أنها على الانقضاء والذهاب عن قريب ، ويخبر أن دار الآخرة هي دار القرار ، أي : تقر بأهلها : إن كان أهلها أهل خير قرت بهم خيرا أبدا لا يزول ، وإن كان أهلها أهل شر يقر بهم الشر أبد الآبدين.
ثم أخبر عن عدل الله تعالى في أعدائه وفضله في أوليائه حيث قال : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها).
أي : لا يجزى ولا يزيد لهم على مثل جنايتهم ؛ لأن المثل هو العدل في جميع الأشياء ، يخبر ألا يزيد على عقوبة عملهم ، ولكن يجزيهم بمثله ، وأما جزاء الحسنة فإنه يزيد لهم على قدر ما يستوجبون ؛ فضلا منه وإحسانا.
ثم فيه دلالة نقض قول المعتزلة : إن صاحب الكبيرة في النار أبدا ؛ لو كان على ما ذكروا كان في ذلك تسوية بين صاحب الكبيرة وبين صاحب الشرك ؛ فإما أن يكون نقصانا لصاحب الشرك عن مثل عقوبته أو زيادة لصاحب الكبيرة ، وقد أخبر أنه لا يجزى إلا مثلها فذلك خلاف ظاهر الآية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ).
دل هذا على أن العمل الصالح لا ينفع ولا يجزي إلا من كان منه الإيمان به.
وقوله : (يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ).
يحتمل بلا تبعة : ويحتمل بغير تقدير وعدّ ، وقد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ).
كأنه قال : يا قوم ، ما لي أدعوكم إلى ما به نجاتكم وأنصح لكم ، وتدعونني أنتم إلى [ما] به هلاكي ، فمتى يكون بيننا موالاة واجتماع؟! أي : لا يكون ، إنما يذكر هذا وأمثاله