بَعْدُ) [الروم : ٤] ، ويذكر ويراد به المفعول ؛ كقوله تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [النساء : ٤٧] أي : ما يكون بأمره مفعولا ، ويكون موعود الله مفعولا ، والله أعلم. وما ذكر الصلاة أمر الله.
ثم لسنا ندري ما كان من وعده لرسوله حتى أخبر أنه كائن ، فجائز أن يكون ما قال بعض أهل التأويل : إنه وعد له أن يعذب كفار مكة يوم بدر بالقتل وغير ذلك ، فكذبوه ، وقالوا مستهزءين به : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٤٨] قال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) يحتمل غيره.
وقوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) :
جائز أن يكون ما ذكر في قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] باستغفاره إياه.
وجائز أن يكون قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) [الفتح : ٢] ما يغفر له من أمته بشفاعته كما ذكر في الخبر : «يغفر للمؤذن مد صوته» (١) أي : يجعل له الشفاعة إلى حيث يبلغ صوته.
وقوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ).
قد ذكرنا التسبيح بحمد ربه ، ثم جائز أن يريد بالتسبيح نفس التسبيح ، فإن كان كذلك فيكون ذكر العشي والإبكار ليس هو ذكر التوقيت له ، ولكن الأوقات كلها الليل والنهار ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) [الكهف : ٢٨] : ليس يريد نفس الغداة والعشي خاصة دون غيرهما من الأوقات ، بل هما عبارة عن جميع الأوقات كأنه يقول : اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم آناء الليل والنهار ؛ فعلى ذلك الأول يحتمل هذا ، والله أعلم.
وإن كان المراد من التسبيح هاهنا : الصلاة ، فكأنه يقول : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) كناية عن صلاة النهار.
أو أن يكون (وَالْإِبْكارِ) كناية عن صلاة الغداة ، و (بِالْعَشِيِ) كناية عن صلاة العشاء على ما ذكره بعض الناس ، والله أعلم.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى
__________________
(١) أخرجه أحمد (٢ / ١٣٦) ، والبزار (٣٥٥ ـ كشف الأستار) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (١ / ٣٢٥) : رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار ... ورجاله رجال الصحيح.