على ألسن الأنبياء والرسل ـ عليهمالسلام ـ فمن قال : إن البشارة التي ذكر في الدنيا عند قبض الأرواح ، فلما ذكر في الخبر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» (١) ؛ لأن المؤمن يرى له الجنة ويبشر بها في ذلك الوقت ؛ فيصير الدنيا له سجنا لما عاين مما هيّئ له وجعل له من الثواب ، والكافر لما رأى له مكانه في النار أو بشر به صارت له الدنيا جنة ؛ وعلى ذلك يخرج قوله ـ عليهالسلام ـ : «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» (٢) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).
هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : يشبه أن يكون هذا القول من الذين بشروهم بما بشروا يقولون : نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وجائز أن يكون ذلك من الله تعالى ، وإن كان المذكور على أثر البشارة الملائكة ؛ وذلك كقوله ـ تعالى ـ : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ* إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [غافر : ٥٠ ، ٥١] ثم إن كان ذلك من الله ـ سبحانه وتعالى ـ فيكون تأويله (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ) في عصمتكم في الدنيا ، وأولى بكم في الآخرة في المعونة ، أو نقول : نحن أولى بكم في النصر والتوفيق في الدنيا والجزاء والثواب في الآخرة ، والله أعلم. وإن كان ذلك من أولئك الذين بشروهم يقولون : نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا بالصحبة ، فكذلك يكون في الآخرة.
وقوله : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : (ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) أي : لكم ما ترغب به أنفسكم وتتوق إليه.
أو لكم فيها ما تتلذذ به أنفسكم وتتنعم بها.
وقوله : (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ).
قيل (٣) : ما تتمنون وتسألون ، أو يقول : ما تدعون من الدعوى.
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٧٢) كتاب الزهد (١ ـ ٢٩٥٦) ، والترمذي (٤ / ٤٨٦) كتاب الزهد : باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن (٢٣٢٤) ، وابن ماجه (٢ / ١٣٧٨) ، كتاب الزهد : باب مثل الدنيا (٤١١٣).
(٢) أخرجه البخاري (١١ / ٣٦٤ ، ٣٦٥) كتاب الرقاق : باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه (٦٥٠٧) ، ومسلم (٤ / ٢٠٦٥ ـ ٢٠٦٦) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار : باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه (١٥ ـ ٢٦٨٤).
(٣) انظر تفسير البغوي (٤ / ١١٤).