سمى القرآن ذكرا ، وهو يحتمل وجوها :
أحدهما : سماه ذكر ؛ لأن من اتبعه وعمل بما فيه صار مذكورا شريفا.
أو سماه ذكرا ؛ لما يذكر لهم ما نسوا من أحكام الله.
أو يذكر ما لله عليهم وما لبعض على بعض.
(وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ).
يحتمل قوله : (لَكِتابٌ عَزِيزٌ) أي : عزيز لا يذله جحود الجاحدين ولا تكذيب المكذبين ، أو يقول : عزيز عند الله تعالى أكرم به محمدا صلىاللهعليهوسلم وعزيز يعز من اتبعه وعمل به ، كما ذكرنا أنه يشرف من اتبعه وعمل بما فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ).
قال بعض أهل التأويل (١) : أي : لا ينزل كتاب من بعده يكذبه أو يبطله ، ولا قبله كتاب يكذبه أو يبطله ، بل خرج موافقا لما قبله من الكتب.
ويحتمل أن يكون قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي : إبليس لا يستطيع أن يبطل منه حقّا ، أو يحق منه باطلا ، أو ينقص منه حقّا ، أو يزيد فيه باطلا ، بل هو على ما ذكرنا : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].
وقال بعضهم ما ذكرنا : لا تكذبه الكتب التي كان قبله.
وقوله : (وَلا مِنْ خَلْفِهِ).
أي : لا يجيء من بعده كتاب يكذبه ، ومعنى هذا : أنهم كانوا يردون ذلك ويدفعونه ، وليست لهم حجة من الله في ردهم إياه ولا في دفعه ، بل يدفعونه بلا حجة ولا برهان (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
وعن الحسن (٢) قال في قوله تعالى : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) : إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ حفظه من الشيطان فلا يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقّا ، ثم قرأ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].
ودل قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) على أن كل ما أضيف إليه [من] اليدين والخلف لا يفهم منه بذكر اليدين : الجارحتان ، أو بذكر الخلف : بقوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ؛ فعلى ذلك ما أضيف إلى الله تعالى من اليدين ومن بين يديه ، لا
__________________
(١) قاله مقاتل كما في الدر المنثور (٤ / ١١٦).
(٢) وعن قتادة أيضا ، أخرجه ابن جرير (٣٠٥٧١) ، وعبد بن حميد وابن الضريس كما في الدر المنثور (٥ / ٦٨٩).