يفهم اليدان حقيقة الجارحتين ، والله الموفق.
وقوله : (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
أي : هذا القرآن هو تنزيل من حكيم حميد ، الحكيم : هو الذي لا يلحقه الخطأ في تدبيره أو في حكمه ، والحميد : هو الذي لا يلحقه الذم في فعله ، والله الموفق.
ثم قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) لم يخرج له جواب في هذا الموضع ، ثم قال بعضهم : جوابه ما ذكر في آية أخرى بعد هذا ، وهو قوله : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ، وقال بعضهم : بل جوابه ما ذكر في «حم المؤمن» حيث قال الله ـ تعالى ـ : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) يعزّي النبي ويصبّره ليصبر على ما كانوا يقولون له : إنه كذاب وإنه ساحر ، وإنه مجنون ، وإنه إنما يعلمه بشر ، وإنه مفتر ، وغير ذلك من أنواع الأذى ، كانوا يؤذونه وكان يشتد عليه ذلك ويثقل ؛ لأنه كان يدعوهم إلى ما به نجاتهم وهم كانوا يستقبلونه بما ذكر ، فقال الله ـ تعالى ـ له عند ذلك :
(ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) من التكذيب والنسبة إلى السحر والجنون وغير ذلك ، يصبّره على ذلك ؛ وهو كقوله تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ...) الآية [الأحقاف : ٣٥].
ويحتمل أنه إنما ذكر ذلك له ؛ ليسلّى به عن بعض ما يلحقه من الضجر والوحشة بالذي قالوا فيه ؛ بما علم أنه ليس بأول مكذّب من الرسل ، ولا بأول متأذّ في ذات الله تعالى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ).
يقول ـ والله أعلم ـ : على أن ذلك إن ربك لذو مغفرة لو تابوا ، ورجعوا عن ذلك ، وذو عقاب أليم لو ثبتوا وداموا على ذلك.
أو يقول ـ والله أعلم ـ على الصلة لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) أي : إنه لذو مغفرة يغفر لهم ما كان منهم من التكذيب لك والتكذيب للقرآن لو تابوا ورجعوا وصدقوا ، وذو عقاب أليم إن لم يتوبوا وثبتوا على ذلك ، والله أعلم.
أو يذكر هذا ، أي : ليس إليك مكافأتهم ومجازاتهم بما كان منهم ، إنما ذلك إلينا إن شئت غفرت لهم إذا رجعوا عنه ، وإن شئت عاقبتهم ؛ وهو كقوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ...) الآية [آل عمران : ١٢٨].
وقوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ).
وقال في آية أخرى : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ. فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ)