قال : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ...) الآية ، قد بين السبيلين جميعا بيانا شافيا ، وأقام لكل ذلك حججا وبراهين ، وبين أن من سلك سبيل كذا ، أفضاه إلى كذا في العاقبة : إما نعيم دائم وسرور دائم ، وإما عذاب دائم وشرور دائمة ، فمن سلك السبيل الذي عاقبته النار والحزن ، فمن قبل نفسه أتى ذلك ، وهو الذي أوقع نفسه في ذلك ، ومن سلك السبيل الذي جعل عاقبته الجنة والنعم الدائمة فيه ، واختياره وصل ذلك ، فهو تفسير قوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ).
أجمع من آمن بالله تعالى ، وصدق رسله ـ عليهمالسلام ـ من أهل السماء وأهل الأرض أن ليس عندهم علم بوقت الساعة ؛ فإن ذلك خفي عليهم لا يعلمونه ، وأن علم ذلك عند الله تعالى ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ...) الآية [الأعراف : ١٨٧] ؛ غير الباطنية والروافض ؛ فإن علم ذلك عندهم على مذهبهم وفي زعمهم :
أما الروافض : فإنهم يعدون الأئمة ويقولون : إن الساعة على إمام كذا ، وفي زمان كذا.
وأما الباطنية يقولون : إن اسم الساعة والقيامة ونحو ذلك إنما هو اسم قائم الزمان وإنه فلان ، فعلى قولهم يظهر وقت قيامها ، فهو خلاف ما ذكر في الكتاب ، وما أجمع عليه أهل السماء والأرض ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ).
جائز أن يكون ما ذكر من إخراج الثمرة من الأكمام وما ذكر من حمل الأنثى ووضعها ، وهو موصول بقوله : (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) ، فإن كان على ذلك ، فمعناه لا يعلم [ذلك] كله إلا هو ، لا يعلم وقت خروجها ولا حدها ، وأنها تخرج أو لا ، وكذلك الولد لا يعلم كيفية علوقه ولا وقته ولا مقداره ، وأنه يعلق أو لا ، علم ذلك إلى الله تعالى كعلم الساعة ، والله أعلم.
وجائز أن يكون قوله : (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) على الابتداء ، ليس على الصلة بالساعة ، ولكن موصول بما تقدم من قوله : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) ، (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً ...) إلى [آخر] ما ذكر ؛ فعلى ذلك يقول ـ والله أعلم ـ : ومن آيات ألوهيته ووحدانيته وآيات