وقتادة ، وقال آخرون : دنا الرب عزوجل من محمد صلىاللهعليهوسلم فتدلى فقرب منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى ، ومعنى دنوه تعالى : قرب منزلة كقوله صلىاللهعليهوسلم حكاية عن ربه تبارك وتعالى «من تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا ومن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت إليه باعا ومن مشى إليّ أتيته هرولة» (١) وهذا إشارة إلى المعنى المجازي قال البغوي : وروينا في قصة المعراج من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس : فدنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى وهذه رواية أبي سلمة عن ابن عباس وقال مجاهد : دنا جبريل من ربه وقد قدّمت الكلام على المعراج وعلى جواز رؤيته صلىاللهعليهوسلم ربه في أوّل الإسراء. وقال الضحاك : دنا محمد صلىاللهعليهوسلم من ربه عزوجل فتدلى فأهوى للسجود فكان منه قاب قوسين أو أدنى وتقدّم الكلام على القاب ، والقوس : ما يرمى به في قول مجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس ، فأخبر أنه كان بين جبريل عليهالسلام ومحمد صلىاللهعليهوسلم مقدار قوسين. وقال مجاهد : معناه حيث الوتر من القوس وهذا إشارة إلى تأكيد القرب والأصل في ذلك أنّ الحليفين من العرب كانا إذا أرادا الصفاء والعهد خرجا بقوسيهما فالصقا بينهما يريدان بذلك أنهما متظاهران يحامي كل واحد منهما عن صاحبه ، وقال عبد الله بن مسعود : قاب قوسين قدر ذراعين وهو قول سعيد بن جبير ، والقوس الذراع يقاس بها كل شيء أو أدنى بل أقرب وإنما ضرب المثل بالقوس لأنها لا تختلف بالقاب.
(فَأَوْحى) أي الله تعالى وإن لم يجر له ذكر لعدم اللبس (إِلى عَبْدِهِ) أي جبريل عليهالسلام (ما أَوْحى) أي جبريل عليهالسلام إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولم يذكر الموحي تفخيما لشأنه وهذا التفسير ما جرى عليه الجلال المحلي وهو ظاهر ، وقيل : فأوحى إلى جبريل بسبب هذا القرب وعقبه إلى عبده أي عبد الله ما أوحى أي جبريل وقيل الضمائر كلها لله تعالى وهو المعني بشديد القوى كما في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات : ٥٨] ودنوه منه برفع مكانته وتدليه جذبه بكليته إلى جانب القدس ، واختلف في الموحى على أقوال الأول قال سعيد بن جبير : أوحى إليه (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) [الضحى : ٦] إلى قوله تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح : ٤] الثاني : أوحى إليه الصلاة. الثالث : أن أحدا من الأنبياء لا يدخل الجنة قبلك وأنّ أمة من الأمم لا تدخلها قبل أمتك. الرابع : أنه مبهم لا يطلع عليه أحد وتعبدنا به على الجملة. الخامس : أنّ ما للعموم والمراد كل ما جاء به جبريل.
(ما كَذَبَ الْفُؤادُ) أي : فؤاد النبيّ صلىاللهعليهوسلم (ما رَأى) أي : ما رآه ببصره من صورة جبريل عليهالسلام ، وهذا أيضا ما جرى عليه الجلال المحلي. وقال البقاعي : ما رأى البصر أي حين رؤية البصر كأنه حاضر القلب لا أنها رؤية بصر فقط يمكن فيها الخلو عن حضور القلب وقال القشيري ما معناه : ما كذب فؤاد النبيّ صلىاللهعليهوسلم ما رآه ببصره على الوصف الذي علمه قبل أن رآه ، فكان علمه حق اليقين وقرأ هشام بتشديد الذال والباقون بالتخفيف.
وقوله تعالى : (أَفَتُمارُونَهُ) أي : تجادلونه وتغلبونه (عَلى ما يَرى) خطاب للمشركين المكذبين رؤية النبيّ صلىاللهعليهوسلم لجبريل ، وهذا ما قاله ابن مسعود وعائشة. ومن قال : إنّ المرئي هو الله
__________________
(١) أخرجه البخاري في التوحيد حديث ٧٤٠٥ ، ومسلم في التوبة حديث ٢٦٧٥ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٨٨.