(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) أي : قربت الموصوفة بالقرب في قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] وهو يوم القيامة. (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ) أي : من أدنى رتبة من رتبة الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلما وقوله تعالى : (كاشِفَةٌ) يجوز أن يكون وصفا وأن يكون مصدرا ، فإن كان وصفا احتمل أن يكون التأنيث لأجل أنه وصف لمؤنث محذوف تقديره نفس كاشفة ، أو حال كاشفة أي مبينة متى تقوم كقول تعالى : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) [الأعراف : ١٨٧] أو ليس لها نفس كاشفة أي قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله تعالى غير أنه تعالى لا يكشفها ، أو ليس لها الآن نفس كاشفة بالتأخير وإن كان مصدرا فهي بمعنى الكشف كالعافية والمعنى ليس لها من دون الله كشف أي لا يكشف عنها ولا يظهرها غيره.
(أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ) قال : أكثر المفسرين المراد بالحديث القرآن العظيم الذي يأتي على سبيل التجدد بحسب الوقائع والحاجات (تَعْجَبُونَ) إنكارا وهو في غاية ما يكون من ترقيق القلوب ، وقرأ أبو عمرو بإدغام المثلثة في التاء المثناة بخلاف عنه.
(وَتَضْحَكُونَ) أي : استهزاء من هذا الحديث وتجدّدون ذلك في كل وقت (وَلا تَبْكُونَ) أي كما هو حق من يسمعه لما فيه من الوعد والوعيد وغير ذلك وقال الرازي يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى حديث أزفت الآزفة ، فإنهم كانوا يتعجبون من حشر الأجساد والعظام البالية.
وقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) جملة مستأنفة أخبر الله تعالى عنهم بذلك ويحتمل أن تكون حالا أي انتفى عنكم البكاء في حال كونكم سامدين ، واختلف في معنى السمود فقيل : هو الإعراض والغفلة عن الشيء أي : وأنتم معرضون غافلون عما يطلب منكم وقيل : هو اللهو يقال : دع عنا سمودك ، أي : لهوك قاله الوالبي والعوفي عن ابن عباس وقال الشاعر (١) :
ألا أيها الإنسان إنك سامد |
|
كأنك لا تفنى ولا أنت هالك |
فهذا بمعنى لاه لاعب وقيل هو الجمود وقيل هو الاستكبار قال الشاعر (٢) :
رمى الحدثان نسوة آل سعد |
|
بمقدار سمدن له سمودا |
فردّ شعورهنّ السود بيضا |
|
ورد وجوههنّ البيض سودا |
فهذا بمعنى الجمود والخشوع وقال عكرمة وأبو عبيدة : السمود الغناء بلغة حمير يقولون : يا جارية اسمدي لنا أي : غني ، فكانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا وقال مجاهد أشرون وقال الضحاك : غضاب يتبرطمون.
وقال الراغب : السامد اللاهي الرافع رأسه من قولهم بعير سامد في سيره وقال الحسن : السامد الواقف للصلاة قبل وقوف الإمام لما روي : أنه صلىاللهعليهوسلم خرج والناس ينتظرونه قياما فقال : «ما لي أراكم سامدين» (٣) وتسميد الأرض أن يجعل فيها السماد وهو سرجين ورماد وقوله تعالى :
__________________
(١) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٢) البيتان من الوافر ، وهما لعبد الله بن الزبير في ملحق ديوانه ص ١٤٣ ـ ١٤٤ ، وتلخيص الشواهد ص ٤٤٣ ، ولأيمن بن خريم في ديوانه ص ١٢٦ ، ولفضالة بن شريك في عيون الأخبار ٣ / ٧٦ ، ومعجم الشعراء ص ٣٠٩ ، وللكميت بن معروف في ديوانه ص ١٩١.
(٣) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٧ / ١٢٣.