يقولون كل شيء بقدر الله تعالى ؛ قال : وسمعت من عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز» (١) وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يؤمن بالله عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله : بعثني بالحق ، ويؤمن بالموت ، وبالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر ؛ وزاد عبد الله خيره وشره» (٢).
تنبيه : (كُلَّ شَيْءٍ) منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر ، ولما بين سبحانه وتعالى أنّ كل شيء بفعله بيّن يسر ذلك وسهولته عليه بقوله تعالى : (وَما أَمْرُنا) في كل شيء أردناه وإن عظم أمره (إِلَّا واحِدَةٌ) أي : فعلة يسيرة لا معالجة فيها وليس هناك أحداث قول لأنه قديم بل تعلق القدرة بالمقدور على وفق الإرادة الأزلية ؛ وقيل إلا كلمة واحدة وهي قوله تعالى (كُنْ) كما قال تعالى : (إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] ثم مثل لنا ذلك بأسرع ما نعقله وأخفه بقوله تعالى : (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) واللمح النظر بالعجلة وفي الصحاح لمحة وألمحه إذا أبصره بنظر خفيف أي فكما أن لمح أحدكم بصره لا كلفة عليه فيه فكذلك الأفعال كلها عندنا بل أيسر ؛ وعن ابن عباس معناه : وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا) أي : بما لنا من العظمة (أَشْياعَكُمْ) أي : أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم السابقة والقدرة عليكم كالقدرة عليهم فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم ولذلك سبب عنه قوله تعالى : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي بما وقع لهم أنه مثل من مضى بل أضعف وأنّ قدرته تعالى عليه كقدرته تعالى عليهم ليرجع عن غيه خوفا من سطوته والاستفهام بمعنى الأمر أي ادكروا واتعظوا.
(وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ) قال الجلال المحلي : أي : العباد. وقال أكثر المفسرين : أي : الأشياع لأنه هو المتقدم ذكره (فِي الزُّبُرِ) أي مكتوب في دواوين الحفظة. وقيل : في اللوح المحفوظ. وقيل : في أم الكتاب فلتحذروا من أفعالهم فإنها غير منسية هذا ما أطبق عليه القراء بما أدى إلى هذا المعنى من رفع كل لأنه لو نصب لأوهم تعلق الجار بالفعل فيوهم أنهم فعلوا في الزبر كل شيء من الأشياء وهو فاسد.
(وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) أي : من الخلق وأعمالهم وآجالهم (مُسْتَطَرٌ) أي : مكتوب في اللوح المحفوظ.
ولما وصف الكفار وصف المؤمنين مؤكدا ردا على المنكر فقال عز من قائل : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) أي : العريقين في وصف الخوف من الله الذي وفقهم لطاعته (فِي جَنَّاتٍ) أي : خلال بساتين ذات أشجار تستر داخلها وقوله تعالى : (وَنَهَرٍ) أريد به الجنس : لأن فيها أنهارا من ماء وعسل ولبن وخمر ؛ أفرده لموافقة رؤوس الآي ولشدة اتصال بعضها ببعض فكأنها شيء واحد. والمعنى : أنهم يشربون من أنهارها وقيل : هو السعة والصفاء من النهار.
وكما جعل للمتقين في تلك الدار ذلك جعل لهم في هذه الدار أيضا جنات العلوم وأنهار المعارف ولهذا كانوا (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي حق لا لغو فيه ولا تأثيم ، ولم يقل في مجلس صدق ،
__________________
(١) أخرجه مسلم في القدر حديث ٢٦٥٥.
(٢) أخرجه الترمذي في القدر حديث ٢١٤٥ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ٨١.