ولما ذكر تعالى الفائز بلزومه التقوى ترغيبا اتبعه بضده ترهيبا فقال عز من قائل : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي : غطوا أدلة ذلك اليوم فكانوا في الظلام (وَكَذَّبُوا) أي : أوقعوا جميع التغطية وجميع التكذيب (بِآياتِنا) أي : بسببها مع ما لها من العظمة بإضافتها إلينا وهي القرآن فلم يعملوا به (أُولئِكَ) أي : البعداء البغضاء (أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ) أي : مقدرين الخلود (فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) هي ، قال الرازي : فإن قيل : قال تعالى في حق المؤمنين (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) بلفظ المستقبل ، وفي الكفار قال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بلفظ الماضي.
فالجواب : أن تقدير الكلام : ومن يؤمن بالله من الذين كفروا وكذبوا بآياتنا يدخله جنات ، ومن لم يؤمن منهم أولئك أصحاب النار.
فإن قيل : قال تعالى : (يُؤْمِنْ) بلفظ الوحدان و (خالِدِينَ فِيها) بلفظ الجمع. أجيب : بأن ذلك بحسب اللفظ ، وهذا بحسب المعنى.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) بعد قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) وذلك بئس المصير؟ أجيب : بأن ذلك وإن كان في معناه فهو تصريح بما يؤكده كما في قوله : (أَبَداً)
(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥) فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))
(ما أَصابَ) أحدا (مِنْ مُصِيبَةٍ) أيّ مصيبة كانت دينية أو دنيوية في نفس أو مال أو قول أو فعل تقتضي هما ، أو توجب عقابا آجلا أو عاجلا (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : بتقدير الملك الأعظم. وقال الفراء : يريد إلا بأمر الله. وقيل : إلا بعلم الله ، وقيل : سبب نزول هذه الآية أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله تعالى عن المصائب في الدنيا ، فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة إلا بقضائه وقدره.
فإن قيل : بم يتصل قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ؟) أجيب : بأنه يتعلق بقوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ.)
(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) يصدق بأنه لا تصيبه مصيبة إلا بقضاء الله الملك الأعظم وتقديره وإذنه (يَهْدِ قَلْبَهُ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو أن يجعل في قلبه اليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، أي : فيسلم لقضاء الله وقدره. وقال الكلبي : هو إذا ابتلي صبر ، وإذا أنعم عليه شكر ، وإذا ظلم غفر.
وقيل : يهد قلبه إلى نيل الثواب في الجنة ، وقيل : يثبته على الإيمان. وقال أبو عثمان الحيري : من صح إيمانه يهد الله قلبه لاتباع السنة. وقيل : يهد قلبه عند المصيبة فيقول : إنا لله وإنا