عبدا. وقال عليه الصلاة والسلام : «تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد القطيفة» (١) ولا دناءة أعظم من دناءة الدينار والدرهم ، ولا أخس من همة ترتفع بثوب جديد ويدخل في قوله تعالى : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ) الذكر والأنثى ، فكما أن الرجل تكون زوجته عدوا له كذلك المرأة يكون زوجها عدوا لها بهذا المعنى (فَاحْذَرُوهُمْ) أي : أن تطيعوهم في التخلف عن الخير ، ولا تأمنوا غوائلهم (وَإِنْ تَعْفُوا) أي : توقعوا المجاوزة عن ذنوبهم بعدم العقاب عليها فإنه لا فائدة في ذلك ، فإن من طبع على شيء لا يرجع عنه وإنما النافع الحذر الذي أرشد إليه تعالى لئلا يكون سببا للذم المنهي عنه (وَتَصْفَحُوا) أي : بالإعراض عن المقابلة بالتثريب باللسان (وَتَغْفِرُوا) أي : بأن تستروا ذنوبهم سترا تاما شاملا للعين والأثر بالتجاوز (فَإِنَّ اللهَ) أي : الجامع لصفات الكمال (غَفُورٌ) أي : بالغ المحو لأعيان الذنوب وآثارها جزاء لكم على غفرانكم لهم ، وهو جدير بأن يصلحهم لكم بسبب غفرانكم (رَحِيمٌ) فيكرمكم بعد ذلك الستر بالإنعام فتخلقوا بأخلاقه تعالى يزدكم من فضله.
(إِنَّما أَمْوالُكُمْ) أي : عامة (وَأَوْلادُكُمْ) كذلك (فِتْنَةٌ) أي : اختبار من الله تعالى لكم ، وهو أعلم بما في نفوسكم منكم لكي ليظهر في عالم الشهادة من يميله ذلك فيكون عليه نقمة ممن لا يميله فيكون عليه نعمة ، فربما رام الإنسان صلاح ماله وولده فبالغ فأفسد نفسه ، ثم لا يصلح ذلك ماله ولا ولده. روى أبو نعيم في الحلية في ترجمة سفيان الثوري رضي الله عنه أنه قال : يؤتى برجل يوم القيامة فيقال : أكل عياله حسناته. وعن بعض السلف : العيال سوس الطاعات ويكفي في فتنة المال قصة ثعلبة بن حاطب أحد من نزل فيه قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) [التوبة : ٧٥] وعن ابن مسعود : لا يقولن أحدكم اللهم اعصمني من الفتنة ، فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال ولا ولد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن ليقل اللهم أعوذ بك من مضلات الفتن. وقال الحسن في قوله تعالى : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ) أدخل من للتبعيض لأنهم كلهم ليسوا بأعداء ، ولم يذكر في قوله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) لأنهما لا يخلوان من الفتنة واشتغال القلب بهما.
روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : «رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم يخطب فجاء الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل صلىاللهعليهوسلم فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثم قال : صدق الله عزوجل (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» ثم أخذ في خطبته (٢).
تنبيه : قدم الأموال على الأولاد لأن فتنة المال أكثر ، وترك ذكر الأزواج في الفتنة قال البقاعي : لأن منهن من يكون صلاحا وعونا على الآخرة (وَاللهُ) أي : ذو الجلال (عِنْدَهُ) وناهيك بما يكون منه بسبيل جلاله وعظمته (أَجْرٌ) ثم وصفه بقوله تعالى : (عَظِيمٌ) أي : لمن ائتمر بأوامره التي أمره بها.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجهاد حديث ٢٨٨٧ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٧٥ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١٣٥.
(٢) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ٢٢٧ ، والترمذي في المناقب باب ٣٠ ، والنسائي في الجمعة باب ٣٠ ، والعيدين باب ٢٧ ، وابن ماجه في اللباس باب ٢٠ ، وأحمد في المسند ٥ / ٣٥٤.