أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعل الله يجمعكم معهم في الجنة» (١) وقيل : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من جهل أهله ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «رحم الله امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله ، فإن لم تقم رش على وجهها الماء ، ورحم الله امرأة قامت من الليل تصلي وأيقظت زوجها ، فإن لم يقم رشت على وجهه من الماء» (٢) وقال بعض العلماء : لما قال (قُوا أَنْفُسَكُمْ) دخل فيه الأولاد لأن الولد بعض منه ، كما دخلوا في قوله تعال : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) [النور : ٦١] وقوله عليه الصلاة والسلام : «إن أحل ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه» (٣) فلم يفرد بالذكر أفراد سائر القرابات فيعلمه الحلال والحرام. وقال عليه الصلاة والسلام : «حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ، ويعلمه الكتابة ، ويزوجه اذا بلغ» (٤).
ثم بين تعالى وصف تلك النار بقوله عزوجل : (وَقُودُهَا) أي : الذي توقد به (النَّاسُ) أي : الكفار (وَالْحِجارَةُ) كأصنامهم منها ، وعن ابن عباس أنها حجارة الكبريت ، وهي أشد الأشياء حرا إذا أوقد عليها ، والمعنى أنها مفرطة الحرارة تتقد بما ذكر لا كنار الدنيا تتقد بالحطب ونحوه (عَلَيْها مَلائِكَةٌ) خزنتها عدتهم تسعة عشر كما سيأتي إن شاء الله تعالى في سورة المدثر (غِلاظٌ) أي : غلاظ القلوب لا يرحمون إذا استرحموا خلقوا من الغضب ، وحبب إليهم عذاب الخلق كما حبب لبني أدم أكل الطعام والشراب (شِدادٌ) أي : شداد الأبدان ، وقيل : غلاظ الأقوال شداد الأفعال يدفع واحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفا في النار ، لم يخلق الله فيهم الرحمة ، وقيل : في أخذهم أهل النار شداد عليهم ، يقال : فلان شديد على فلان ، أي : قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب.
وقيل : غلاظ أجسامهم ضخمة شداد ، أي : الأقوياء. قال ابن عباس : ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة ، وقال صلىاللهعليهوسلم في خزنة جهنم : «ما بين منكبي كل واحد منهم كما بين المشرق والمغرب» (٥)(لا يَعْصُونَ اللهَ) أي : الملك الأعلى في وقت من الأوقات ، وقوله تعالى : (ما أَمَرَهُمْ) بدل من الجلالة أي : لا يعصون أمر الله ، وقوله تعالى : (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) تأكيد ؛ هذا ما جرى عليه الجلال المحلي. وقال الزمخشري : فإن قلت : أليست الجملتان في معنى واحد؟ قلت : لا فإن معنى الأولى أنهم يقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها ، ومعنى الثانية : أنهم يؤدون ما يؤمرون به لا يتثاقلون عنه ، ولا يتوانون فيه. وقيل : لا يعصون الله ما أمرهم الله فيما مضى ويفعلون ما يؤمرون فيما يستقبل ، وصدر بهذا البيضاوي.
فإن قيل : إنه تعالى خاطب المشركين في قوله تعال : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي
__________________
(١) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١ / ٣٠٠.
(٢) أخرجه أبو داود في الصلاة حديث ١٣٠٨ ، والنسائي في قيام الليل حديث ١٦٠٩ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٣٣٦.
(٣) أخرجه النسائي في البيوع حديث ٤٤٥٢ ، وابن ماجه في التجارات حديث ٢١٣٧.
(٤) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٦ / ٣١٧ ، ٣١٨ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٤٥١٩١ ، ٤٥١٩٢ ، ٤٥١٩٣ ، والقرطبي في تفسيره ١٨ / ١٩٥ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ١٨٤.
(٥) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٨ / ١٩٥.