(وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ) أي : فلا أكون عنده (وَعَمَلِهِ) فلا تسلطه علي بما يضرني عندك في الآخرة فلا أعمل بشيء من عمله وهو شركه ، وقال ابن عباس : جماعه (وَنَجِّنِي) أعادت العامل تأكيدا (مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : الناس الأقوياء العريقين الذين يضعون أعمالهم في غير موضعها ، فاستجاب الله تعالى دعاءها وأحسن إليها لأجل محبتها للمحبوب ، وهو كليم الله موسى عليهالسلام كما يقال : صديق صديقي داخل في صداقتي
وذلك أن موسى عليهالسلام لما غلب السحرة آمنت به فلما تبين لفرعون إيمانها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس ، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة ، وفي القصة أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها فلما أتوها بالصخرة قالت : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) فأبصرته من مرمرة بيضاء فانتزعت روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ولم تجد ألما ، وقال الحسن وابن كيسان : رفع الله تعالى امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب.
وقوله تعالى : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ) عطف على امرأة فرعون تسلية للأرامل (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) أي : عفت عن السوء وجميع مقدماته ، كانت كالحصن العظيم المانع من العدو فاستمرت على حالها إلى الممات فزوجها الله تعالى في الجنة جزاء لها بخير خلقه محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقال بعض المفسرين : أراد بالفرج هنا الجيب لقوله تعالى : (فَنَفَخْنا ،) أي : بما لنا من العظمة بواسطة ملكنا جبريل عليهالسلام (فِيهِ ،) أي : في جيب درعها. قال البقاعي : أو في فرجها الحقيقي ، وعلى هذا فلا حاجة إلى التأويل (مِنْ رُوحِنا ،) أي : من روح خلقناه بلا تواسط أصل وهو روح عيسى عليهالسلام (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها ،) أي : المحسن إليها واختلف في تلك الكلمات فقال مقاتل : يعني بالكلمات عيسى وأنه نبىّ وعيسى كلمة الله وقال البغوي : يعني الشرائع التي شرعها الله تعالى للعباد بكلماته المنزلة وقيل : هي قول جبريل عليهالسلام لها (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) [مريم : ١٩] الآية ، وعلى كل قول استحقت أن تسمى لذلك صديقة ، وقرأ : (وَكُتُبِهِ) أبو عمرو وحفص بضم الكاف والتاء جمعا ، والباقون بكسر الكاف وفتح التاء وبعدها ألف إفرادا والمراد منه الكثرة فالمراد به الجنس فيكون في معنى كل كتاب أنزله الله تعالى على ولدها أو غيره.
وقوله تعالى : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) يجوز في (مِنْ) وجهان :
أحدهما : أنها لابتداء الغاية.
والثاني : أنها للتبعيض. وقد ذكرهما الزمخشري فقال : فمن للتبعيض ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية أنها ولدت من القانتين لأنها من أعقاب هارون أخي موسى صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهما وعليها وعلى سائر الأنبياء وآلهم أجمعين.
قال الزمخشري : فإن قلت لم قيل : من القانتين على التذكير؟
قلت : لأن القنوت صفه تشمل من قنت من القبيلين فغلب ذكوره على إناثه. وقيل : أراد من القوم القانتين ، ويجوز أن يرجع هذا إلى أهل بيتها فإنهم كانوا مطيعين لله ، والقنوت : الطاعة ، وقال عطاء : من المصلين بين المغرب والعشاء. وعن معاذ بن جبل : أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها : «إذا قدمت على ضرّاتك فأقرئيهنّ منى السلام مريم بنت عمران وآسية بنت