قال القرطبي : ما ذكره مسلم في صحيحه عن عائشة أصح الأقوال ، وسئلت أيضا عن خلقه صلىاللهعليهوسلم «فقرأت (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) إلى عشر آيات» (١). قال الرازي : وهذا إشارة إلى أن نفسه القدسية الشريفة كانت بالطبع منجذبة إلى عالم الغيب ، وإلى كل ما يتعلق به وكانت شديدة التعري عن اللذات البدنية والسعادات الدنيوية بالطبع ، ومقتضى الفطرة وقالت : «ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما دعاه أحد من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال : لبيك ولذلك قال الله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي صلىاللهعليهوسلم منه الحظ الأوفر» (٢).
وقال الجنيد : سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه بدليل قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله بعثني لتمام مكارم الأخلاق وتمام محاسن الأفعال» (٣). وعن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحسن الناس وجها ، وأحسن الناس خلقا ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير» (٤). وعن أنس بن مالك قال : «خدمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشر سنين فما قال لي أف قط وما قال لشيء صنعته : لم صنعته ، ولا لشيء تركته : لم تركته ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أحسن الناس خلقا ، ولا مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا شممت مسكا ولا عنبرا كان أطيب من عرق رسول الله صلىاللهعليهوسلم» (٥). وعن ابن عمر «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن فاحشا ولا متفحشا ، وكان يقول : خياركم أحسنكم أخلاقا» (٦). وعن أنس «أن امرأة عرضت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في طريق من طرق المدينة ، فقالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال : يا أم فلان اجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك قال : ففعلت فقعد إليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى قضيت حاجتها» (٧). وعن أنس بن مالك قال : «كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتنطلق به حيث شاءت» (٨). وعن أنس أيضا : «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا صافح رجلا لم ينزع يده حتى يكون هو الذي يصرف وجهه عن وجهه ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له» (٩). وعن عائشة قالت : «ما ضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى ، ولا ضرب خادما ولا امرأة» (١٠). وعنها قالت : «ما خير رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أمرين قط إلا اختار
__________________
(١) أخرجه النسائي في السنن الكبرى ٦ / ٤١٢.
(٢) انظر القرطبي في تفسيره ١٨ / ٢٢٧.
(٣) أخرجه البغوي في تفسيره ٢ / ٣٢٨ ، وشرح السنة ١٣ / ٢٠٢ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح ٥٧٧٠.
(٤) أخرجه البخاري في المناقب حديث ٣٥٤٩ ، ومسلم في الفضائل حديث ٢٣٣٧.
(٥) أخرجه مسلم في الفضائل حديث ٢٣٢٩ ، والترمذي في البر حديث ٢٠١٥ ، وأحمد في المسند ٣ / ٢٠٠ ، ٢٢٢ ، ٢٢٨.
(٦) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦٠٢٩ ، ومسلم في الفضائل حديث ٢٣٢١ ، والترمذي في البر حديث ٢٠١٦ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٦١ ، ١٨٩ ، ١٩٣ ، ٣٢٨ ، ٤٤٨ ، ٦ / ١٧٤ ، ٢٣٦ ، ٢٤٦.
(٧) أخرجه أبو داود في الأدب حديث ٤٨١٨.
(٨) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦٠٧٢.
(٩) أخرجه بنحوه ابن ماجه في الأدب باب ٢١ ، وابن الجعد في مسنده ١ / ٤٩٤.
(١٠) أخرجه مسلم في الفضائل حديث ٢٣٢٨ ، وأبو داود في الأدب حديث ٤٧٨٦ ، وابن ماجه في النكاح حديث ١٩٨٤ ، والدارمي في النكاح باب ٣٤ ، وأحمد في المسند ٦ / ٢٢٩ ، ٢٣٢.